وأما علاج الثاني: - أعني كراهة الذم - فيعلم بالمقايسة على علاج حب المدح. والقول الوجيز فيه: إن من يذمك إن كان صادقا وقصده النصح والإرشاد، فلا ينبغي أن تبغضه وتغضب عليه، بل ينبغي أن تفرح وتجتهد في إزالة الصفة المذمومة عن نفسك، وما أقبح بالمؤمن أن يغضب على من يحسن إليه ويريد هدايته وإن كان قصده الإيذاء والتعنت، فلا ينبغي لك أيضا أن تبغضه وتكره ذلك، لأنه أرشدك إلى عيبك إن كنت جاهلا به، وذكرك إياه إن كنت غافلا عنه، وقبحه في عينك إن كنت متذكرا له.
وعلى التقادير قد استفدت منه ما تنتفع به، وينبغي لك أن تغتنمه وتبادر إلى إزالة عيبك. وإن كان كاذبا مفتريا عليك بما أنت منه برئ، فينبغي لك أيضا ألا تكره ذلك ولا تشتغل بذمه، لأنك وإن خلوت من ذلك العيب إلا أنك لا تخلو من عيب آخر مساوية له وأفحش منها، فاشكر الله تعالى على أنه سترها ولم يطلع أحدا عليها، ودفعها بذكر ما أنت منه برئ، مع أنه كفارة لبقية مساويك. ومن ذمك أهدى إليك حسناته وجني على دينه حتى سقط من عين الله وأهلك نفسه بافترائه عليك، فما بالك تحزن بحط ذنوبك وإهداء الحسنات إليك؟ ولم تغضب عليه، مع أن الله سبحانه غضب عليه وأبعده من رحمته؟ فإن ذلك كاف لانتقامك منه.
وصل ضد حب المدح ضد حب المدح وكراهة الذم: إما كراهة المدح وحب الذم، أو مساواتهما عنده بحيث لا تسره المدحة ولا تغمه المذمة. وقد تقدم بعض الأخبار الدالة على ذم من لم يتصف بالحالة الأولى. وهي وإن كانت نادرة الوجود، إذ ما أقل على بسيط الأرض - (لا) سيما في هذه الأعصار - من تستوي عنده المدحة والمذمة، فضلا عمن يكره المدح ويسر بالذم، إلا أن تحصيلها ممكن إذ كل من عرف أن المدح مضر بدينه وقاصم لظهره، فلا بد أن يكرهه ويبغض المادح، لو كان عاقلا مشفقا على نفسه. وكذا من عرف أن الذام له يرشده إلى عيوبه ويهدي إليه بعض حسناته، لا بد أن يحبه ويسر بذمه.
وأما الحالة الثانية، فهي أولى درجات الكمال، ومن لم يتصف بها