من غير وجدان كراهة في نفسه لهذا السرور والارتياح. وهذا أيضا نقصان وإن كان أقل إثما بالإضافة إلى ما قبله.
الرابعة - أن يسر ويرتاح، ولكن كره هذا السرور والارتياح، وكلف قلبه كراهة المدح وبغضه، وهو في مقام المجاهدة، ولعل الله يسامحه إذا بذل جهده. ومع ذلك لم يقدر على ربط نفسه على كراهة المدح دائما.
فصل أسباب حب المدح حب المدح والثناء له أسباب.
الأول - شعور النفس بكمالها، فإن الكمال لما كان محبوبا فمهما شعرت النفس بكمالها ارتاحت واهتزت وتلذذت، والمدح يشعر نفس الممدوح بكمالها، فإن كان ما به المدح وصفا مشكوكا فيه صادر عن خبير بصير لا يجازف في القول، كالوصف بكمال العلم والورع وبالحسن المطلق، فاللذة فيه عظيمة لأن الإنسان ربما كان شاكا في كمال علمه وكمال حسنه ويكون شائقا لزوال هذا الشك، فإذا ذكره غيره، (لا) سيما إذا كان من أهل البصيرة أورث ذلك طمأنينة وثقة بوجود ذلك الكمال، فعظمت لذته، ولو كان صادرا ممن لا بصيرة له، كانت لذته أقل لقلة الاطمئنان بقوله. وإن كان ما به المدح وصفا جليا، كاعتدال القامة وبياض اللون، كانت لذته في غاية القلة، لأن ثناءه لا يورث ما ليس له من الطمأنينة والثقة، إلا أنه لا يخلو عن لذة ما، إذ النفس قد تغفل عنه فتخلو عن لذته، فتنبهها عليه بالمدح يورث لذة ما.
ولضد هذه العلة يبغض الذم أيضا، لأنه يشعر بنقصان في نفسه، والنقصان ضد الكمال.
الثاني - إن المدح يدل على أن قلب المادح ملك الممدوح، وأنه مريد له معتقد فيه ومسخر تحت مشيته، وملك القلوب محبوب، والشعور بحصوله لذيذ، ولذلك تعظم اللذة مهما صدرت ممن تتسع قدرته وينتفع باقتناص كان المادح ممن يعتنى بقوله، وهذا يختص بمدح يقع على الملأ.
الثالث - إن المدح سبب اصطياد قلب كل من يسمعه، لا سيما إذا قلبه كالملوك والأكابر، ولضد هذه العلة يكره الذم ويتألم القلب به.