ومنها:
التكلم بما لا يعني أو بالفضول والمراد بالأول: التكلم بما لا فائدة فيه أصلا، لا في الدين ولا في الدنيا، والثاني - أعني فضول الكلام -: أعم منه، إذ يتناول الخوض في ما لا يعني والزيادة في ما يعني على قدر الحاجة. فإن من يعنيه أمر ويتمكن من تقريره وتأديته وتأدية مقصوده بكلمة واحدة، ومع ذلك ذكر كلمتين، فالثانية فضول، أي فضل على الحاجة. ولا ريب في أن التكلم بما لا يعني وبالفضول مذموم، وإن لم يكن فيه إثم، وهو ناش عن رداءة القوة الشهوية، إذ الباعث عليه ليس إلا مجرد تشهي النفس وهواها.
والسر في ذمه: أنه يوجب تضييع الوقت، والمنع من الذكر والفكر، وربما يبنى لأجل تهليله أو تسبيحه قصر في الجنة، وربما ينفح من نفحات رحمة الله عند الفكرة ما يعظم جدواه. فمن قدر على أن يأخذ كنزا من الكنوز، فأخذ بدله مدرة لا ينتفع بها، كان خاسرا. فمن ترك ذكر الله والفكر في عجائب قدرته، واشتغل بمباح لا يعنيه، وإن لم يأثم، إلا أنه قد خسر، حيث فاته الربح العظيم بذكر الله وفكره. فإن رأس مال العبد أوقاته، ومهما صرفها إلى ما لا يعنيه، ولم يدخر بها ثوابا في الآخرة، فقد ضيع رأس ماله. على أن الغالب تأدية الخوض في ما لا يعني وفي الفضول إلى الخوض في الباطل، وربما أدى إلى الكذب بالزيادة والنقصان. ولذا ورد في ذمه ما ورد، وقد روي: " أنه استشهد يوم أحد غلام من أصحاب النبي (ص)، ووجد على بطنه حجر مربوط من الجوع، فمسحت أمه التراب عن وجهه، وقالت: هنيئا لك الجنة يا بني! فقال النبي (ص): وما يدريك؟
لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه، ويمنع ما لا يضره؟ ". وورد أيضا: " أن رسول الله (ص) قال لبعض أصحابه - وهو مريض -: أبشر. فقالت أمه:
هنيئا لك الجنة! فقال رسول الله (ص): وما يدريك؟ لعله قال ما لا يعنيه أو منع ما لا يعنيه؟ ": يعني إنما تتهنأ الجنة لمن لا يحاسب، ومن يتكلم فيما لا يعنيه حوسب عليه، وإن كان كلامه مباحا، فلا تتهنأ له الجنة مع المناقشة في الحساب، فإنه نوع من العذاب. وروي: " أنه تكلم رجل