رضا المخلوق على رضا الخالق، ولا تأخذه في الله لومة لائم. ولعظم فساد حب المدح وبغض الذم ورد في ذمهما ما ورد في الأخبار، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله - " إنما هلك الناس باتباع الهوى وحب الثناء ". وقال - صلى الله عليه وآله -: " رأس التواضع أن تكره أن تذكر بالبر والتقوى ". وقال (ص) لرجل أثنى على آخر بحضرته: " لو كان صاحبك حاضرا فرضي بالذي قلت فمات على ذلك، دخل النار ". وقال (ص) لما مدح آخر: " ويحك! قطعت ظهره! ولو سمعك ما أفلح إلى يوم القيامة ".
وقال (ص): " ألا لا تمادحوا! وإذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب ". وقال (ص): " ويل للصائم! وويل للقائم! وويل لصاحب التصوف! إلا من... فقيل: يا رسول الله، إلا من؟ فقال: إلا من تنزهت نفسه عن الدنيا، وأبغض المدحة واستحب المذمة ".
فصل مراتب حب المدح وكراهة الذم إعلم أن لحب المدح وكراهة الذم مرتبتين: أولاهما: أن يفرح بالمدح ويشكر المادح، ويغضب من الذم ويحقد على الذام، ويكافيه أو يحب مكافأته. وهذا حال أكثر الخلق، ولا حد لأتمها. وأخراهما: أن يفرح باطنه ويرتاح للمادح، ولكن يحفظ ظاهره من إظهار السرور، ويتبغض في الباطن على الذام، ولكن يمسك لسانه وجوارحه عن مكافأته. وهذه وإن كانت نقصانا، إلا أنها بالنظر إلى الأولى كمال.
وباعتبار آخر، لحب المدح درجات:
الأولى - أن يتمنى المدح وانتشار الصيت بحيث يتوصل إلى نيلهما بكل ممكن، حتى يرائي بالعبادات ولا يبالي بمفارقة المحظورات، لاستمالة قلوب الناس واستنطاق ألسنتهم بالمدح. وهذا من الهالكين.
الثانية - أن يريد ذلك ويطلبه بالمباحات لا بالعبادات وارتكاب المحضورات، وهذا على شفا جرف الهلاك. إذ حدود الكلام والأعمال التي يستميل بها القلوب لا يمكنه أن يضبطها، فيوشك أن يقع فيما لا يحل له ليتوصل به إلى نيل المدح. فهو قريب من الهالكين.
الثالثة - ألا يريد المدح ولا يسعى لطلبه، ولكن إذا مدح سر وارتاح