إلى السؤال عنه آفة، ولو كان في جوابه آفة - كما هو الشأن في أكثر الأسئلة عما لا يعنيك - كنت آثما عاصيا. مثلا: لو سألت غيرك عن عبادته، فتقول: هل أنت صائم؟ فإن قال: نعم، كان مظهرا عبادته، فيدخل عليه الرياء، وإن لم يدخل الرياء سقطت عبادته - على الأقل - من دون عبادة السر، وعبادة السر تفضل عبادة الجهر بدرجات، وإن قال: لا، كان كاذبا، وإن سكت، كان مستحقرا إياك وتأذيت به، وإن احتال لمدافعة الجواب افتقر إلى تعب وجهد فيه. فقد عرضته بالسؤال إما للرياء والكذب، أو للاستحقار، أو التعب في حيلة الدفع.
وكذلك سؤالك عن كل ما يخفى ويستحيى من إظهاره، أو عما يحتمل أن يكون في إظهاره مانع، كان يحدث به أحد غيرك، فتسأله وتقول: ماذا تقول؟ وفيم أنتم؟ وكأن ترى إنسانا في الطريق فتقول: من أين؟ إذ ربما يمنع مانع من إظهار مقصوده. ومن هذا القبيل سؤالك غيرك: لم أنت ضعيف؟ أو ما هذا الضعف أو الهزال الذي حدث بك؟ أو أي مرض فيك؟
وأمثال ذلك. وأشد من ذلك أن تخوف مريضا بشدة مرضه، وتقول: ما أشد مرضك وما أسوأ حالك! فإن جميع ذل وأمثالها، مع كونها من فضول الكلام والخوض في ما لا يعني، يتضمن إثما وإيذاء. وليس من مجرد التكلم بما لا يعني والفضول، وإنما مجرد ما لا يعني ما لا يتصور فيه إيذاء وكسر خاطر واستحياء من الجواب، كما روي: " أن لقمان دخل على داود عليه السلام وهو يسرد الدرع، ولم يكن يراها قبل ذلك، فجعل يتعجب مما يرى. فأراد أن يسأله عن ذلك فمنعته الحكمة، فأمسك نفسه ولم يسأله. فلما فرغ داود، قام ولبسها، وقال: نعم الدرع للحرب! فقال لقمان: الصمت حكم وقليل فاعله ". وهذا وأمثاله من الأسئلة إذا لم يكن فيه ضرر وهتك ستر وإيقاع في رياء أو كذب، فهو مما لا يعني، وتركه من حسن الإسلام.
فصل علاج الخوض فيما لا يعني سبب الخوض في ما لا يعني وفي فضول الكلام: إما الحرص على معرفة