فالمؤاخذة بمحض التوهم تنافي الديانة والإيمان. و (ثانيا) إن اقتضاء قوله سقوط أثر كلام من اغتابه في حقه مجرد توهم، والتعرض لمقت الله يقينا بمجرد توهم ترتب فائدة دنيوية عليه محض الجهل والحماقة. و (ثالثا) أن تؤدي فعل الغير - أعني تقبيح حاله عند محتشم مع فرض وقوعه - إلى إضراره في حيز الشك، إذ ربما لم تقبل شهادته شرعا، فتقبيح حاله وتحمل معاصيه بدون الجزم بصيرورته سببا لإيذائه محض الجهل والخذلان.
وأما الرحمة له على إثمه والتعجب منه والغضب لله عليه، وإن كان كل منها حسنا، إلا أنه إذا لم تكن معه غيبة، وأما إذا كانت معه غيبة، أحبط أجره وبقي إثمها. فالعلاج أن يتأمل أن باعث الرحمة والتعجب والغضب هو الإيمان وحماية الدين، وإذا كان معها غيبة أضرت بالدين والإيمان، وليس شئ من الأمور الثلاث ملزوما للغيبة لإمكان تحققه بدونها فمقتضى الإيمان وحماية الدين أن يترحم ويتعجب ويغضب لله، مع ترك الغيبة وإظهار الإثم والعيب، ليكون مأجورا غير آثم.
فصل مسوغات الغيبة لما عرفت أن الغيبة ذكر الغير بما يكرهه لو سمعه، فاعلم أن ذلك إنما يحرم إذا قصد به هتك عرضه، والتفكه به، أو إضحاك الناس منه. وأما إذا كان ذلك لغرض صحيح لا يمكن التوصل إليه إلا به، فلا يحرم.
والأغراض الصحيحة المرخصة له أمور:
الأول - التظلم عند من له رتبة الحكم وإحقاق الحقوق، كالقضاة والمفتين والسلاطين، فإن نسبة الظلم والسوء إلى الغير عندهم لاستيفاء الحق جائز، لقول النبي (ص): " لصاحب الحق مقال "، وقوله (ص):
" لي الواجد يحل عرضه وعقوبته ". وعدم إنكاره (ص) على قول هند بحضرته: إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني إياي وولدي، أفآخذ من غير علمه؟ وقوله - صلى الله عليه وآله - لها: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ".
الثاني - الاستعانة على رفع المنكر ورد المعاصي إلى الصلاح، وإنما