دنيا بلاغ ودنيا ملعونة ". وقال الباقر عليه السلام لجابر: " يا جابر!
إنه من دخل قلبه صافي خالص دين الله شغل قلبه عما سواه، يا جابر! ما الدنيا وما عسى أن تكون الدنيا؟! هل هي الاطعام أكلته، أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها؟ يا جابر! إن المؤمنين لم يطمأنوا إلى الدنيا ببقائهم فيها ولم يأمنوا قدومهم الآخرة. يا جابر! الآخرة دار قرار، والدنيا دار فناء وزوال، ولكن أهل الدنيا أهل غفلة، وكان المؤمنون هم الفقهاء أهل فكرة وعبرة، لم يصمهم عن ذكر الله جل اسمه ما سمعوا بآذانهم، ولم يعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة بأعينهم، ففازوا بثواب الآخرة كما فازوا بذلك العلم " (22). وقال الصادق عليه السلام: " مثل الدنيا كمثل ماء البحر، كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله ". وقال: فيما ناجى الله عز وجل به موسى: " يا موسى! لا تركن إلى الدنيا ركون الظالمين وركون من اتخذها أبا وأما. يا موسى! لو وكلتك إلى نفسك لتنظر لها إذن لغلب عليك حب الدنيا وزهرتها. يا موسى! نافس في الخير أهله واستبقهم إليه فإن الخير كاسمه، واترك من الدنيا ما بك الغنى عنه، ولا تنظر عينك إلى كل مفتون بها وموكل إلى نفسه، واعلم أن كل فتنة بدؤها حب الدنيا، ولا تغبط أحدا بكثرة المال، فإن مع كثرة المال تكثر الذنوب لواجب الحقوق ولا تغبطن أحدا يرضى الناس عنه، حتى تعلم أن الله راض عنه، ولا تغبطن مخلوقا بطاعة الناس له، فإن طاعة الناس له واتباعهم إياه على غير الحق هلاك له ولمن تبعه ". وأوحى الله تعالى إلى موسى وهارون لما أرسلهما إلى فرعون: " لو شئت أن أزينكما بزينة من الدنيا، يعرف فرعون حين يراها أن مقدرته تعجز عما أوتيتما لفعلت، ولكني أرغب لكما عن ذلك وأزوي ذلك عنكما، وكذلك أفعل بأوليائي، إني لأزويهم عن نعيمها، كما يزوي الراعي الشفيق غنمه عن مواقع الهلكة، وإني لأجنبهم عيش سلوتها، كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن مواقع الغرة، وما ذلك لهوانهم علي، ولكن