منه بهذه الكسيرة، فقال: أما إنه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاث " (3).
فوائد الجوع ثم للجوع فوائد: هي صفاء القب ورقته، واتقاد الذهن وحدته، والالتذاذ بالمناجاة والطاعة، والابتهاج بالذكر والعبادة، وكسر شهوات المعاصي المستولية بالشبع، دفع النوم الذي يضيع العمر ويكل الطبع ويفوت القيام التهجد، والتمكن من الإيثار والتصديق بالزائد، وخفة المؤنة الموجبة للفراغ عن الاهتمام بالتحصيل والإعداد، وصحة البدن ودفع الأمراض إذ المعدة بيت كل داء والحمية رأس كل دواء، وورد: " كلوا في بعض بطونكم تصحوا "، وأضداد هذه الفوائد من المفاسد يترتب على الشبع.
ثم علاج الشره بالأكل والشرب: أن يتذكر الأخبار الواردة في ذمه، وينبه نفسه على رذالة المأكولات وخساستها، وعلى خسة الشركاء من الحيوانات، ويتأمل في المفاسد المترتبة على الولوع به: من الذلة، والمهانة وسقوط الحشمة والمهابة، وفتور الفطنة، وظهور البلادة، وحدوث العلل والأمراض الكثيرة، وبعد ذلك يحافظ نفسه عن الإفراط في الأكل ولو بالتكلف حتى يصير الاعتدال فيه عادة.
الشهوة الجنسية (وأما الثاني) - أعني طاعة شهوة الفرج والافراط في الوقاع - فلا ريب في أنه يقهر العقل حتى يجعل الإنسان مقصور الهم على التمتع بالنسوان والجواري، فيحرم من سلوك طريق الآخرة، أو يقهر الدين حتى يجر إلى اقتحام الفواحش وربما انتهت هذه الشهوة بمن غلب وهمه على عقله إلى العشق البهيمي الذي ينشأ من استيلاء الشهوة، فيسخر الوهم العقل لخدمة الشهوة، وقد خلق العقل ليكون مطاعا لا ليكون خادما للشهوة. وهذا مرض قلوب فارغة خلت عن محبة الله وعن الهمم العالية.
ويجب الاحتراز من أوائله بترك معاودة الفكر والنظر، وإذا استحكم عسر دفعه، وكذلك حب باطل من الجاه والمال والعقار والأولاد. فمثل من يكسره في أول انبعاثه مثل من يصرف عنان الدابة عند توجهها إلى باب