فهو إذن محمود ومذموم بالإضافة إلى المقصودين. فالظواهر الذامة محمولة على صورة كونه وسيلة إلى مقاصد فاسدة، والمادحة على صورة كونه وسيلة إلى مقاصد صحيحة. ولما كانت الطبائع مائلة إلى اتباع الشهوات القاطعة لسبيل الله، وكان المال مسهلا لها وآلة إليها، عظم الخطر في ما يزيد على قدر الكفاية، فاستعاذ طوائف الأنبياء والأولياء من شره، حتى قال نبينا (ص): " اللهم اجعل قوت آل محمد كفافا ". وقال (ص):
" اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا ".
فصل غوائل المال وفوائده قد ظهر مما ذكر: أن المال مثل حية فيها سم وترياق، فغوائله سمه، وفوائده ترياقه، فمن عرفها أمكنه أن يحترز من شره ويستدر منه خيره.
ولبيان ذلك نقول: إن غوائله إما دنيوية أو دينية:
والدنيوية: هي ما يقاسيه أرباب الأموال: من الخوف والحزن، والهم، والغم، وتفرق الخاطر، وسوء العيش، والتعب في كسب الأموال وحفظها، ودفع الحساد وكيد الظالمين، وغير ذلك.
والدينية ثلاثة أنواع:
أولها - أداؤه إلى المعصية. إذ المال من الوسائل إلى المعاصي، ونوع من القدرة المحركة لداعيتها. فإذا استشعرها الإنسان من نفسه، انبعثت الداعية، واقتحم في المعاصي، وارتكب أنواع الفجور. ومهما كان آيسا عن القدرة لم يتحرك داعية إليها. إذ العجز قد يحول بين المرء وبين المعصية، ومن العصمة ألا يقدر، وأما مع القدرة، فإن اقتحم ما يشتهيه هلك، وإن صبر وقع في شدة. إذ الصبر مع القدرة أشد، وفتنة السراء من فتنة الضراء أعظم.
وثانيها - أداؤه إلى التنعم في المباحات. فإن الغالب أن صاحب المال يتنعم بالدنيا ويمرن عليه نفسه، فيصير التنعم محبوبا عنده مألوفا، بحيث لا يصبر عنه، ويجره البعض منه إلى البعض. وإذا اشتد ألفه به وصار عادة له، ربما لم يقدر عليه من الحلال، فيقتحم في الشبهات ويخوض في