تكونوا من أهله، ولا تكونوا عجلا مذاييع. فإن خياركم الذين إذا نظر إليهم ذكر الله، وشراركم المشاؤن بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، المبتغون للبراء المعايب " (44).
تنبيه النميمة النميمة تطلق في الأكثر على أن ينم قول الغير إلى المقول فيه، كأن يقال: فلان تكلم فيك بكذا وكذا، أو فعل فيك كذا وكذا. وعلى هذا تكون نوعا خاصا من إفشاء السر وهتك الستر، وهو الذي يتضمن فسادا أو سعاية. وقد تطلق على ما لا يختص بالمقول فيه، بل على كشف ما يكره كشفه، سواء كره المنقول عنه أو المنقول إليه أو كرهه ثالث، وسواء كان الكشف بالقول أو الكتابة أو بالرمز والايماء، وسواء كان المنقول من الأعمال أو من الأقوال، وسواء كان ذلك عيبا ونقصانا على المنقول عنه أو لم يكن وعلى هذا يكون مساومة لإفشاء السر وهتك الستر. وحينئذ فكل ما يرى من أحوال الناس ولم يرضوا بإفشائه، فإذاعته نميمة. فاللازم على كل مسلم أن يسكت عما يطلع عليه من أحوال غيره، إلا إذا كان في حكايته نفع لمسلم أو دفع لمعصية. كما إذا رأى أحدا يتناول مال غيره، فعليه أن يشهد به مراعاة لحق المشهود له، وأما إذا رآه يخفي مالا لنفسه، فحكايته نميمة وإفشاء للسر.
ثم الباعث على النميمة يكون غالبا إرادة السوء بالمحكى عنه، فيكون داخلا تحت الإيذاء، وربما كان باعثه إظهار المحبة للمحكى له، أو التفريح بالحديث، أو الخوض في الفضول. وعلى أي تقدير، لا ريب في أن النميمة أرذل الأفعال القبيحة وأشنعها. وما ورد في ذمها من الآيات والأخبار لا يحصى كثرة، قال الله سبحانه:
" هماز مشاء بنميم. مناع للخير معتد أثيم. عتل بعد ذلك زنيم " (45).