ما لا حاجة إليه، أو المباسطة بالكلام على سبيل التودد، أو تزجية الوقت بحكايات أحوال لا فائدة فيها، وكل ذلك من رداءة قوة الشهوة. وعلاج ذلك من حيث العلم: أن يتذكر ذمه كما مر، ومدح ضده، أعني الصمت وتركه - كما يأتي - ويعلم أن الموت بين يديه، وإنه مسؤول عن كل كلمة وإن أنفاسه رأس ماله، وإن لسانه شبكة يقدر على أن يقتنص بها الحور العين: فإهماله وتضييعه خسران، ومن حيث العمل أن يعتزل عن الناس مهما أمكن، ويلزم نفسه السكوت عن بعض ما يعينه ليتعود لسانه ترك ما لا يعنيه، وأن يقدم التأمل والتروي على كل كلام يريد أن يتكلم به، فإن كان فيه فائدة دينية أو دنيوية تكلم به وإلا تركه. وكان بعضهم يضع في فمه حجرا، خوفا من التكلم بالفضول وما لا يعنيه.
وصل الصمت ضد التكلم بما لا يعنيه وبالفضول تركها، إما بالصمت أو بالتكلم فيما يعنيه مما يتعلق بدينه أو دنياه. وفوائد الصمت ومدحه يأتي في موضعه.
وقد وردت أخبار في المدح على خصوص ترك ما لا يعني وفضول الكلام، كقول النبي (ص): " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ". وقوله (ص): " طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه، وأنفق الفضل من ماله! ".
وانظر كيف قلب الناس الأمر في ذلك، فأمسكوا فضل المال وأطلقوا فضل اللسان. وروي: " أنه (ص) قال ذات يوم: إن أول من يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة. فلما دخل هذا الرجل، قالوا له: أخبرنا بأوثق عملك في نفسك ترجو به. فقال: إني رجل ضعيف العمل، وأوثق ما أرجو الله به سلامة الصدر وترك ما لا يعنيني ". وقال (ص) لأبي ذر: " ألا أعلمك بعمل خفيف على البدن ثقيل في الميزان. قال: بلى يا رسول الله.
قال: هو الصمت، وحسن الخلق، وترك ما لا يعنيك ". قال ابن عباس:
" خمس هن أحسن من الدراهم المونقة: لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنه فضل ولا آمن عليك الوزر. ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعا، فإنه رب متكلم في أمر يعنيه قد وضعه في غير موضعه فعنت. ولا تمار حليما ج: 2