علاماته إذا كان عقوبة أن يسوء عليه خلقه، ويعصي ربه بترك طاعته، ويكثر الشكاية، ويتسخط بالقضاء "، وهذا يدل على أن كل فقير ليس مثابا على فقره، بل من يرضى بفقره، ويفرح به، ويقنع بالكفاف، ويقصر الأمل، وإن لم يرض به وتشوف إلى الكثرة وطول الأمل، وفاته عز القناعة، وتدنس بذل الحرص والطمع، وجره الحرص والطمع إلى مساوي الأخلاق، وارتكاب المنكرات الخارقة للمروات حبط أجره وكان آثما قلبه.
وينبغي أن يظهر التعفف ويستر الفقر ويستر أنه يستر، وألا يخالط الأغنياء، ولا يرغب في مجالستهم، ولا يتواضع لهم لأجل غناهم بل يتكبر عليهم. قال أمير المؤمنين عليه السلام: " ما أحسن تواضع الغني للفقير رغبة في ثواب الله، وأحسن منه تيه الفقير على الغني ثقة بالله "، وألا يسكت عن ذكر الحق مداهنة للأغنياء، وطمعا بما في أيديهم، ولا يفتر بسبب فقره عن عبادة الله، ويبذل قليل ما يفضل عنه، فإن ذلك جهد المقل، وفضله أكثر من أموال كثيرة يبذلها الغني، قال رسول الله (ص): " درهم من الصدقة أفضل عند الله من مائة ألف دينار "، قيل وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: أخرج رجل من عرض ماله مائة ألف دينار يتصدق بها، وأخرج رجل درهما من درهمين لا يملك غيرهما طيبة به نفسه فصار صاحب الدرهم أفضل من صاحب مائة ألف دينار "، وينبغي ألا يدخر أزيد من قدر الحاجة، فإن لم يدخر أكثر من قوت يومه وليلته فهو من الصديقين، وإن لم يدخر أكثر من قوت أربعين يوما كان من المتقين، وإن لم يدخر أكثر من قوت سنة - وهو الفضل المشترك بين الفقر والغنى - كان من الصالحين، ولو زاد عليه خرج عن زمرة الفقراء.
فصل وظيفة الفقراء ما يعطى الفقير بغير سؤاله: إن كان (حراما أو شبهة) وجب عليه رده والاجتناب عنه، وإن كان (حلالا)، فإن كان (هدية) استحب قبوله تأسيا برسول الله (ص) إن لم تكن فيه منة، ولو كانت فيه منة فالأولى تركه. وكان بعضهم إذا أعطاه صديقه شيئا يقول له أتركه عندك،