عن النيران ودخول الجنان ". وقال الكاظم (ع): " السخي الحسن الخلق في كنف الله، لا يستخلي الله منه حتى يدخله الجنة. وما بعث الله نبيا ولا وصيا إلا سخيا، ولا كان أحد من الصالحين إلا سخيا، وما زال أبي يوصيني بالسخاء حتى مضى ".
فصل معرفة ما يجب أن يبذل لعلك تقول: إنك قلت: السخاء هو الوسط بين الإقتار والإسراف، وهو صرف المال إلى ما يجب أو ينبغي صرفه إليه، وهذا غير كاف لمعرفة حد السخاء، لتوقفه على معرفة ما يجب أو ينبغي، وهو عندنا مبهم.
قلنا: ما يجب أو ينبغي يتناول الواجب واللائق بحسب الشرع والمروة والعادة. فالسخي هو الذي يؤدي واجب الشرع وواجب المروة والعادة جميعا، فإن منع واحدا منها فهو بخيل، وإن كان الذي يمنع واجب الشرع أبخل. ثم ما يجب بذله شرعا مضبوط معين، من الزكاة والخمس وغيرهما من أطيب ماله أو وسطه دون الخبيث منه، والإنفاق على أهله وعياله على قدر احتياجهم. فمن أدى جميع ذلك فقد أدى الواجب الشرعي، ويستحق اسم السخي شرعا، إذا كان الأداء بطيبة من قلبه، من دون أن يشق عليه، إذ لو شق عليه ذلك كان بخيلا بالطبع ومتسخيا بالتكلف. وأما ما يجب مروة وعادة، فهو ترك المضايقة في بذل ما يستقبح المضايقة فيه عرفا وعادة وهو يختلف في الأحوال والأشخاص، فتستقبح من الغني المضايقة ما لا يستقبح من الفقير، ومع الأهل والأقارب ما لا يستقبح مع الأجانب، ومع الجار ما لا يستقبح من البعيد، وفي الضيافة ما لا يستقبح أقل منه في المبايعة والمعاملة، ويستقبح من المضايقة في الأطعمة ما لا يستقبح في غيرها.
وبالجملة: يختلف ذلك بما فيه المضايقة من ضيافة أو معاملة، وبما فيه المضايقة من طعام أو ثوب أو فرش أو غير ذلك، وبمن معه المضايقة من صديق أو قريب أو جار أو أجنبي أو بعيد، وبمن منه المضايقة من غني أو فقير أو أمير أو رعية أو عالم أو جاهل أو صبي أو كامل. فالسخي هو الذي لا يمنع حيث ينبغي ألا يمنع شرعا أو مروة أو عادة، والبخل من