يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه ".
وقال السجاد عليه السلام: " إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، إلا وكونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، إلا أن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الأرض بساطا والتراب فراشا والماء طيبا، وقرضوا من الدنيا تقريضا، ألا ومن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب، إلا أن لله عبادا كمن رأى أهل الجنة في الجنة مخلدين وكمن رأى أهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة أنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا أياما قليلة، فصاروا بعقبى راحة طويلة، أما الليل فصافون أقوامهم، تجري دموعهم على خدودهم، وهم يجأرون إلى ربهم، يسعون في فكاك رقابهم، وأما النهار فحلماء علماء بررة أتقياء كأنهم القداح، قد براهم الخوف من العبادة، ينظر إليهم الناظر فيقول مرضى، وما بالقوم من مرض، أم خولطوا، فقد خالط القوم أمر عظيم من ذكر النار وما فيها ". وقال عليه السلام: " ما من عمل بعد معرفة الله عز وجل ومعرفة رسوله (ص) أفضل من بغض الدنيا، فإن لذلك لشعبا كثيرة وللمعاصي شعبا. فأول ما عصي الله به الكبر معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين. ثم الحرص، وهي معصية آدم وحواء حين قال الله عز وجل لهما:
" فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " (21).
فأخذا ما لا حاجة بهما إليه، فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه. ثم الحسد، وهو معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء وحب الدنيا، وحب الرئاسة، وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة، فصرن سبع خصال، فاجتمعن كلهن في حب الدنيا. فقال الأنبياء والعلماء - بعد معرفة ذلك -: حب الدنيا رأس كل خطيئة، والدنيا دنيا آن: