" زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا " (10).
وحب جميع ذلك من رذائل قوة الشهوة، إلا حب تسخير القلوب لقصد الغلبة والاستيلاء، فإنه من رذائل قوة الغضب - كما تقدم - وبذلك يظهر أن حب الدنيا المتعلق بقوة الشهوة أعم من الشره بأول تفسيريه - كما أشير إليه -.
وأما ماهيتها في حق العبد، فعبارة عن جميع ماله قبل الموت، كما أن بعد الموت عبارة عن الآخرة، فكل ما للعبد فيه نصيب وشهوة وحظ وغرض ولذة في عاجل الحال قبل الوفاة فهي الدنيا في حقه، وللعبد فيه علاقتان، علاقة بالقلب: وهو حبه له، وعلاقة بالبدن: وهو إشغاله بإصلاحه، ليستوفي منه حظوظه. إلا أن جميع ماله إليه ميل ورغبة ليس بمذموم، وذلك لأن ما يصحبه في الدنيا وتبقى ثمرته معه بعد الموت - أعني العلم النافع والعمل الصالح - فهو من الآخرة في الحقيقة، وإنما سمي بالدنيا باعتبار دنوه، فإن كلا من العالم والعابد قد يلتذ بالعلم والعبادة بحيث يكون ذلك ألذ الأشياء عنده، فهو وإن كان حظا عاجلا له في الدنيا، إلا أنه ليس من الدنيا المذمومة، بل هو من الآخرة في الحقيقة، وإن عد من الدنيا من حيث دخوله في الحس والشهادة، فإن كل ما يدخل فيهما فهو من عالم الشهادة - أعني الدنيا - ولذا جعل نبينا - (ص) الصلاة من الدنيا، حيث قال: " حبب إلي من دنياكم ثلاث: الطيب، والنساء، وقرة عيني في الصلاة "، مع أنها من أعمال الآخرة.
فالدنيا المذمومة عبارة عن حظ عاجل، لا يكون من أعمال الآخرة ولا وسيلة إليها، وما هو إلا التلذذ بالمعاصي والتنعم بالمباحات الزائدة على قدر الضرورة في تحصيل العلم والعمل.
وأما قدر الضرورة من الرزق، فتحصيله من الأعمال الصالحة - كما نطقت به الأخبار - قال رسول الله (ص): " العبادة سبعون جزءا، أفضلها طلب الحلال ". وقال (ص): " ملعون من ألقى كله على الناس "،