ولا ريب في أنه قصد الحمد والأجر جميعا، ومع ذلك نزلت في حقه هذه الآية.
ومنها ما روي: " أن أعرابيا أتاه (ص) وقال: يا رسول الله، الرجل يقاتل حمية، والرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل ليرى مكانه في سبيل الله! فقال (ص): من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ".
وحملها على صورة تساوي القصدين أو غلبة قصد الرياء خلاف الظاهر. وما ذكره من أن لكل قصد وفعل تأثيرا خاصا على حدة، ففيه أن ذلك إذا لم يبطله ضده. ونحن نقول: إن مقتضى الأخبار كصريح العقل يدل على أن قصد الرياء يبطل قصد القربة إذا تواردا على فعل واحد، فلا يبقى لقصد التقرب تأثير حتى يتصف بالزيادة على تأثير قصد الرياء.
ومنها:
النفاق وهو مخالفة السر والعلن، سواء كان في الإيمان أو في الطاعات أو في المعاشرات مع الناس، وسواء قصد به طلب الجاه والمال أم لا. وعلى هذا فهو أعم من الرياء مطلقا، وإن خص بمخالفة القلب واللسان أو بمخالفة الظاهر والباطن في معاملة الناس ومصاحبتهم، فبينهما عموم وخصوص من وجه وعلى التقادير، إن كان باعثه الجبن فهو من رذائل قوة الغضب من جانب التفريط، وإن كان باعثه طلب الجاه فهو من رذائلها من جانب الإفراط وإن كان منشأ تحصيل مال أو منكح فهو من رداءة قوة الشهوة. ولا ريب في أنه من المهلكات العظيمة، وقد تعاضدت الآيات والأخبار على ذمه.
وأشد أنواع النفاق - بعد كفر النفاق - كون الرجل ذا وجهين ولسانين، بأن يمدح أخاه المسلم في حضوره ويظهر له المحبة والنصيحة، ويذمه في غيبته ويؤذيه بالسب والسعاية إلى الظالمين وهتك عرضه وإتلاف ماله وغير ذلك، وبأن يتردد بين متعاديين ويتكلم لكل واحد بكلام يوافقه، ويحسن لكل واحد منهما ما هو عليه من المعاداة مع صاحبه ويمدحه (57) على ذلك، أو يعد كل واحد منهما أنه ينصره، أو ينقل كلام كل واحد إلى الآخر. وهذا