الألسنة بالمدح والثناء.
فصل لا بد للانسان من جاه كما أنه لا بد من أدنى مال لضرورة المطعم والملبس والمسكن ومثله ليس بمذموم، فكذلك لا بد من أدنى جاه لضرورة المعيشة مع الخلق، إذ الإنسان كما لا يستغني عن طعام يتناوله فيجوز أن يحب الطعام والمال الذي يباع به الطعام فكذلك لا يستغني عن خادم يخدمه ورفيق بعينه وسلطان يحرسه ويدفع عنه ظلم الأشرار، فحبه لأن يكون له في قلب خادمه من المنزلة ما يدعوه إلى الخدمة وفي قلب رفيقه من المحل ما يحسن به مرافقته، وفي قلب السلطان من المحل ما يدفع به الشر عنه، ليس بمذموم. إذ الجاه كالمال وسيلة إلى الأغراض، فلا فرق بينهما، إلا أن هذا يقضي إلى ألا يكون المال والجاه محبوبين بأعيانهما بل من حيث التوصل بهما إلى غيرهما.
ولا ريب في أن كل ما يراد به التوصل إلى محبوب فالمحبوب هو المقصود المتوسل إليه دون الوسيلة.
ومثل هذا الحب مثل حب الإنسان أن يكون في داره بيت الخلاء لقضاء حاجته ولو استغنى عن قضاء الحاجة، ولم يضطر إليه كره اشتمال داره على بيت الخلاء ومثل أن يحب زوجته ليدفع بها فضلة الشهوة، ولو كفي مؤنة الشهوة لأحب مهاجرتها، وإذا كان حبهما لضرورة البدن والمعيشة لا لذاتهما لم يكن مذموما، والمذموم أن يحبهما لذاتهما. وفيما يجاوز ضرورة البدن كحب زوجته لذاتها حب العشاق حتى لو كفي مؤنة الشهوة لبقي مستصحبا لحبها.
ثم حبهما بأعيانهما وإن كان مذموما مرجوحا، لكنه لا يوصف صاحبه بالفسق والعصيان ما لم يحمله الحب على مباشرة معصية، وما لم يتوصل إلى اكتسابهما بكذب وخداع وتلبيس، كأن يظهر للناس قولا أو فعلا اعتقدوا لأجله اتصافه بوصف ليس فيه، مثل العلم والورع أو علو النسب وبذلك يطلب قيام المنزلة في قلوبهم، وما لم يتوصل إلى اكتسابهما بعبادة، إذ التوصل إلى المال والجاه بالعبادة جناية على الدين وهو حرام، وإليه يرجع معنى الرياء المحظور، كما يأتي.
وأما طلبهما بصفة هو متصف بها، فهو مباح غير مذموم، وذلك