إليه، كالجائع الفاقد للخبز والعاري الفاقد للثوب، أم لا.
وأنت، بعدما فهمت اشتراك الفقر بين المعاني المذكورة، لم يشكل عليك الجمع بين ما ورد في مدح الفقر - كما يأتي - وبين ما ورد في ذمه، كقوله (ص): " كاد الفقر أن يكون كفرا "، وقوله (ص): " الفقر الموت الأكبر ". وقول أمير المؤمنين عليه السلام: " من ابتلى بالفقر فقد ابتلى بأربع خصال: بالضعف في يقينه، والنقصان في عقله، والرقة في دينه، وقلة الحياء في وجهه. فنعوذ بالله من الفقر! ".
فصل مراتب الفقر ومدحه قد عرفت أن بعض مراتب الفقر راجع إلى الزهد، وبعضها إلى ما هو فوقه أعني الرضى والاستغناء، وبعضها إلى القناعة. ففضيلة هذه المراتب ظاهرة، والأخبار الواردة في فضيلة الزهد والرضى والقناعة تدل على فضيلة المراتب المذكورة من الفقر. وأما المرتبة الأولى المتضمنة للحرص، فهو أيضا لا يخلو عن فضيلة بالنظر إلى الغنى المتضمن له والأخبار الواردة في مدح الفقر تناول بعمومها جميع مراتبه، قال الله سبحانه:
" للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم " (48). وقال:
" للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله... " الآية (49).
ساق الله سبحانه الكلام في معرض المدح، وقدم وصفهم بالفقر على وصفهم بالهجرة الاحصار، وفيه دلالة جلية على مدح الفقر (50). وقال رسول الله (ص): " خير هذه الأمة فقراؤها، وأسرعها تصعدا في الجنة ضعفاؤها ". وقال - (ص): " اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين ". وقال (ص): " إن لي حرفتين اثنتين، فمن أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني: الفقر والجهاد ". وقال - صلى الله عليه وآله -: " الفقر أزين للمؤمنين من العذار الحسن على خد الفرس ". وسئل عن الفقر، فقال: " خزانة من خزائن الله " وسئل عنه