هذه إلا الملك الجبار " (14).
وقد ظهر من هذه الأخبار، أن الصمت مع سهولته أنفع للانسان من كل عمل، وكيف لا يكون كذلك، وخطر اللسان الذي هو أعظم الأخطار وآفاته التي هي أشد المهلكات لا ينسد إلا به؟ والكلام وإن كان في بعضه فوائد وعوائد، إلا أن الامتياز بين الممدوح والمذموم منه مشكل، ومع الامتياز فالاقتصار على مجرد الممدوح عند أطلاق اللسان أشكل، وحينئذ فالصمت عما لا جزم بتضمنه للخير والثواب من الكلام أولى وأنفع.
وقد نقل: " إن أربعة من أذكياء الملوك - ملك الهند، وملك الصين وكسرى، وقيصر - تلاقوا في وقت، فاجتمعوا على ذم الكلام ومدح الصمت فقال أحدهم: أنا أندم على ما قلت ولا أندم على ما لم أقل. وقال الآخر: إني إذا تكلمت بالكلمة ملكتني ولم أملكها، وإذا لم أتكلم بها ملكتها ولم تملكني. وقال الثالث: عجبت للمتكلم، إن رجعت عليه كلمته ضرته، وإن لم ترجع لم تنفعه. وقال الرابع: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت ".
ومنها:
حب الجاه والشهرة والمراد بالشهرة: انتشار الصيت، ومعنى الجاه: ملك القلوب وتسخيرها بالتعظيم والإطاعة والانقياد له. وبعبارة أخرى: قيام المنزلة في قلوب الناس، وإنما تصير القلوب مملوكة مسخرة للشخص، باشتمالها على اعتقاد اتصافه بكمال حقيقي، أو بما يظنه كما لا، من علم وعبادة، أو ورع وزهادة، أو قوة وشجاعة، أو بذل وسخاوة، أو سلطنة وولاية، أو منصب ورياسة، أو غنى ومال، أو حسن وجمال، أو غير ذلك مما يعتقده الناس كمالا. وتسخير القلوب وانقيادها على قدر اعتقادها، وبحسب درجة ذلك الكمال عندها، فبقدر ما يعتقد أرباب القلوب تذعن له قلوبهم، وبقدر إذعانها تكون قدرته عليهم، وبقدر قدرته يكون فرحه وحبه للجاه.
ثم تلك القلوب تبعث أربابها على المدح والثناء، فإن المعتقد للكمال لا يسكت