المعيشة وكان حرصه في تحصيل هذا القدر دون الزائد منه وكان قصده الاستعانة به على الدين، وكذا كان حرص الغني وإمساكه في هذا القدر بهذا القصد، فحال الوجود أفضل لأن الفقد يصده عن أمور الدين لاضطراره في طلب القوت، وهو أولى بالتفضيل إذا كان قصد الغني ذلك وكان مطلوب الفقير فوق الحاجة، أو قدر الحاجة بدون قصد الاستعانة به إلى أمر الدين. وإن كان مطلوب كل منها فوق الحاجة، أو لم يكن قصدهما الاستعانة به على أمر الدين، فالفقد أصلح وأفضل، لأنهما استويا في الحرص وحب المال، وفي عدم قصد الاستعانة به على الدين، لكنهما افترقا في أن الواجد يتأكد حب الدنيا في قلبه، ويطمئن إليها لأنسه بها، والفاقد يتجافى قلبه عنها اضطرارا، أو تكون الدنيا عنده كالسجن الذي يطلب الخلاص منه. وهو أولى وأحرى بالتفضيل، إذا كان قصد الفقير ذلك وكان قصد الغنى فوق الحاجة، أو قدر بدون الاستعانة به على أمر الدين.
(الثالث) في الترجيح بين فقير حريص متكالب على الدنيا ليس له هم سواه، وغنى هو دونه في الحرص على حفظ المال، وتفجعه بفقد المال لو فقده أقل من تفجع الفقير بفقده، والظاهر حينئذ كون الفقير أسوأ حالا، إذ البعد عن الله بقدر قوة التفجع بفقد المال، والقرب بقدر ضعف التفجيع به.
فصل ما ينبغي للفقير ينبغي للفقير ألا يكون كارها للفقر من حيث إنه فعل الله ومن حيث أنه فقر، بل يكون راضيا به طالبا له فرحانا به لعلمه بغوائل الغنى، وأن يكون متوكلا في باطنه على الله، واثقا به في إتيان قدر ضرورته، ويكون قانعا به، كارها للزيادة عليه، منقطع الطمع عن الخلق، غير ملتفت إلى ما في أيديهم، وغير حريص على اكتساب المال كيف كان، وأن يكون صابرا شاكرا على فقره، قال أمير المؤمنين (ع): " إن لله عقوبات بالفقر، ومثوبات بالفقر، فمن علامات الفقر إذا كان مثوبة أن يحسن عليه خلقه، ويطيع به ربه، ولا يشكو حاله، ويشكر الله تعالى على فقره، ومن