أيضا، فتتولد بينهما الموافقة، وترتفع عنهما مادة المحاسدة، وهذا هو المعالجة الكلية لمطلق مرض الحسد. والعلاج النافع لكل نوع منه، أن يقمع سببه، من خبث النفس وحب الرئاسة والكبر وعزة النفس وشدة الحرص وغير ذلك مما ذكر، وعلاج كل واحد من هذه الأسباب يأتي في محله.
تنبيه القدر الواجب في نفي الحسد إعلم أن مساواة حسن حال العدو وسوء حاله، وعدم وجدان التفرقة بينهما في النفس، ليست مما تدخل تحت الاختيار. فالتكليف به تكليف بالمحال. فالواجب في نفي الحسد وإزالته هو القدر الذي يمكن دفعه، وبيان ذلك - كما أشير إليه - أن الحسد.
(1) إما يبعث صاحبه على إظهاره بقول أو فعل، بحيث يعرف حسده من آثاره الاختيارية. ولا ريب في كونه مذموما محرما، وكون صاحبه عاصيا آثما، لا لمجرد آثاره الظاهرة التي هي الغيبة والبهتان مثلا، إذ هي أفعال صادرة عن الحسد، محلها الجوارح، وليست عين الحسد، إذ هو صفة للقلب لا صفة للفعل، ومحله القلب دون الجوارح، قال سبحانه:
" ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا " (18). وقال: " ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء " (19). وقال: " إن تمسسكم حسنة تسؤهم " (20).
فلو كان الإثم على مجرد أفعال الجوارح، لم يكن أصل الحسد الذي هو صفة القلب معصية، والأمر ليس كذلك، فيكون عاصيا لنفس الحسد الذي في قلبه أيضا، أعني ارتياحه بزوال النعمة مع عدم كراهة ذلك من نفسه. والإثم حقيقة على عدم كراهته وعدم مقته وقهره على نفسه لهذا الارتياح الذي يجده منها، لكونه اختياريا ممكن الزوال، لا على نفس الارتياح والاهتزاز، لما أشير إليه من أنه طبيعي غير ممكن الدفع لكل أحد.