ماله، إن قدمه أحب أن يلحقه، وإن خلفه أحب أن يتخلف معه ".
ووضع أمير المؤمنين (ع) درهما على كفه، ثم قال: " أما إنك ما لم تخرج عني لا تنفعني ". وروي: " إن أول ما ضرب الدينار والدرهم رفعهما إبليس، ثم وضعهما على جبهته، ثم قبلهما وقال: من أحبكما فهو عبدي حقا ". وقال عيسى (ع): " لا تنظروا إلى أموال أهل الدنيا، فإن بريق أموالهم يذهب بنور إيمانكم ". وقال بعض الأكابر: " مصيبتان لم يسمع الأولون والآخرون بمثلهما للعبد في ماله عند موته "، قيل: وما هما؟ قال:
" يؤخذ منه كله، ويسأل عنه كل ".
ثم جميع ما ورد في ذم الغنى ومدح الفقر - كما يأتي بعضه -، وجميع ما ورد في ذم الدنيا - كما تقدم بعضه - يتناول ذم المال، لأنه أعظم أركان الدنيا.
فصل الجمع بين ذم المال ومدحه إعلم أنه كما ورد ذم المال في الآيات والأخبار ورد مدحه فيهما أيضا، وقد سماه الله خيرا في مواضع، فقال:
" إن ترك خيرا الوصية... " (27). وقال في مقام الامتنان: " ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا " (28).
وقال رسول الله (ص): " نعم المال الصالح للرجل الصالح ".
وكل ما جاء في ثواب الصدقة، والضيافة، والسخاء، والحج، وغير ذلك مما لا يمكن الوصول إليه إلا بالمال، فهو ثناء عليه.
ووجه الجمع بين الظواهر المادحة والذامة هو: أن المال قد يكون وسيلة إلى مقصود صحيح هو السعادة الأخروية، إذ الوسائل إليها في الدنيا ثلاث، وهي: الفضائل النفسية، والفضائل البدنية، والفضائل الخارجية التي عمدتها المال. وقد يكون وسيلة إلى مقاصد فاسدة، وهي المقاصد الصادة عن السعادة الأخروية والحياة الأبدية، والصادة سبيل العلم والعمل.