وقال بعض أكابر الزهاد: " الدنيا تخلق الأبدان، وتجدد الآمال، وتقرب المنية، وتبعد الأمنية، ومن ظفر بها تعب، ومن فاتته نصب ". وقال بعضهم:
" ما في الدنيا شئ يسرك إلا وقد التزق به شئ يسؤك ". وقال آخر:
" لا تخرج نفس ابن آدم من الدنيا إلا بحسرات ثلاث: إنه لم يشبع مما جمع، ولم يدرك ما أمل، ولم يحسن الزاد لما قدم عليه ". وقال حكيم:
" كانت الدنيا ولم أكن فيها، وتذهب ولا أكون فيها، فكيف أسكن إليها؟
فإن عيشها نكد، وصفوها كدر، وأهلها منها على وجل، إما بنعمة زائلة، أو بلية نازلة، أو منية قاضية ". وقال بعض العرفاء: " الدنيا حانوت الشيطان، فلا تسرق من حانوته شيئا، فيجئ في طلبك ويأخذك ". وقال بعضهم: " لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة من خزف يبقى، لكان ينبغي أن يختار العاقل خزفا يبقى على ذهب يفنى، فكيف والآخرة ذهب يبقى والدنيا أدون من خزف يفنى؟ " وقد ورد: " إن العبد إذا كان معظما للدنيا، يوقف يوم القيامة، ويقال: هذا عظم ما حقره الله ". وروي:
" أنه لما بعث النبي (ص) أتت إبليس جنوده، فقالوا: قد بعث نبي وأخرجت أمة، قال: يحبون الدنيا؟ قالوا: نعم! قال: إن كانوا يحبونها ما أبالي ألا يعبدوا الأوثان، وأنا أغدو عليهم وأروح بثلاثة: أخذ المال من غير حقه، وإنفاقه في غير حقه، وإمساكه عن حقه، والشر كله لهذا تبع ". وروي:
" إنه أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه: احذر مقتك، فتسقط من عيني، فأصب عليك الدنيا صبا ". وقال بعض الصحابة: " ما أصبح أحد من الناس في الدنيا إلا وهو ضيف، وماله عارية. فالضيف مرتحل، والعارية مردودة ". وقال بعضهم: " إن الله جعل الدنيا ثلاثة أجزاء: جزء للمؤمن وجزء للمنافق، وجزء للكافر. فالمؤمن يتزود، والمنافق يتزين، والكافر يتمتع ". وقيل: " من أقبل على الدنيا أحرقته نيرانها حتى يصير رمادا، ومن أقبل على الآخرة صفته نيرانها فصار سبيكة ذهب ينتفع بها، ومن أقبل على الله سبحانه، أحرقته نيران التوحيد، فصار جوهرا لا حد لقيمته ".
وقيل أيضا: " العقلاء ثلاثة: من ترك الدنيا قبل أن تتركه، وبنى قبره قبل أن يدخله، وارتضى خالقه قبل أن يلقاه ". وسأل بعض الأمراء رجلا