أعدل وأحسن وعظا وأكثر علما منه وأشد قبولا للناس فرح به ولم يحسده، وإذا حضر الأكابر والأعاظم مجلسه أو اقتدوا به لم يتغير كلامه ولم يتفاوت حاله، بل يبقى على ما كان عليه، وينظر إلى عباد الله بعين واحدة.
(تنبيه): لما عرفت حقيقة الرياء، تعلم أنه إذا صار عمل بعض الصالحين أو قولهم محركا لغيرهم على الاشتغال بالطاعة لم تكن هذه الطاعة رياء إذا عقدت على الخلوص، وإن لم يكن هذا الغير ليفعل هذه الطاعة إذا لم يشاهدها من بعض الصالحين أو لن يسمعها منه. فمن لم تكن عادته التهجد وباب مع قوم متهجدين في موضع، فإذا قاموا للتهجد انبعث نشاطه للموافقة ووافقهم في التهجد، ولم يكن ذلك رياء بعد أن يكون قصده منه الثواب والتقرب إلى الله، إذ كل مؤمن راغب في عبادة الله وفي قيام الليل، ولكن قد تعوقه العوائق وتمنعه الغفلة، فإذا شاهد قوما يتهجدون ربما صارت مشاهدة طاعتهم سببا لزوال غفلته، كما يصير قولهم ووعظهم سببا لذلك فيتحرك باعث الدين دون الرياء ويدعوه إلى موافقتهم. وربما كان الموضع مما ليس فيه عائق، فيغتنم الفرصة ويبعثه ما فيه من الإيمان إلى الطاعة. وقس على التهجد غيره: من الصوم، والتصدق، والقراءة، والذكر، وغيرها من أعمال البر.
فصل علاج الرياء لما كانت الأسباب الباعثة على الرياء هي حب لذة المدح والفرار من ألم الذم والطمع بما في أيدي الناس، فالطريق في علاجه أن يقطع هذه الأسباب وقد تقدم طريق العلاج في قطع الأولين، ويأتي طريق إزالة الثالث. وما نذكره هنا من العلاج العلمي للرياء، هو أن يعلم أن الشئ إنما يرغب فيه لكونه نافعا، وإذا علم أنه ضار ليعرض عنه البتة. وحينئذ، فينبغي لكل مؤمن أن يتذكر مضرة الرياء وما يفوته من صلاح قلبه وما يحرم عنه في الحال من التوفيق وفي الآخرة من المنزلة عند الله وما يتعرض له من المقت والعذاب ومتى تذكر ذلك وقابل ما يحصل له في الدنيا من الناس الذين راءى لأجلهم بما يفوته في الآخرة من ثواب الأعمال، لترك الرياء لا محالة. مع أن العمل