كانوا راضين بفعل آبائهم أو وصل إليهم أثر ظلمهم، أي انتقل إليهم منهم بعض أموال المظلومين. وقال بعض العلماء: الوجه في ذلك، إن الدنيا دار مكافأة وانتقام، وإن كان بعض ذلك مما يؤخر إلى الآخرة. وفائدة ذلك أما بالنسبة إلى الظالم فإنه يردعه عن الظلم إذا سمع، وأما بالنسبة إلى المظلوم فإنه يستبشر بنيل الانتقام في الدنيا مع نيله ثواب الظلم الواقع عليه في الآخرة فإنه ما ظفر أحد بخير مما ظفر به المظلوم، لأنه يأخذ من دين الظالم أكثر مما أخذ الظالم من ماله، كما تقدم. وهذا مما يصحح الانتقام من عقب الظالم أو عقب عقبه، فإنه وإن كان في صورة الظلم، لأنه انتقام من غير أهله، مع أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، إلا أنه نعمة من الله عليه في المعنى من جهة ثوابه في الدارين، فإن ثواب المظلوم في الآخرة أكثر مما جرى عليه من الظلم في الدنيا.
ثم إن معين الظالم، والراضي بفعله، والساعي له في قضاء حوائجه وحصول مقاصده، كالظلم بعينه في الإثم والعقوبة. قال الصادق عليه السلام:
" العامل بالظلم، والمعين له، والراضي به، شركاء ثلاثتهم ". وقال (ع):
" من عذر ظالما بظلمه، سلط الله عليه من يظلمه، فإن دعا لم يستجب له، ولم يأجره الله على ظلامته ". وقال رسول الله (ص): " شر الناس المثلث؟ " قيل: وما المثلث؟ قال: " الذي يسعى بأخيه إلى السلطان، فيهلك نفسه، ويهلك أخاه، ويهلك السلطان ". وقال (ص) " من مشى مع ظالم فقد أجرم ". وقال (ص): " إذا كان يوم القيامة، نادى مناد: أين الظلمة وأعوان الظلمة ومن لاق لهم دواة أو ربط لهم كيسا أو مدهم بمدة قلم؟
فاحشروهم معهم ".
وصل العدل بالمعنى الأخص ضد الظلم بالمعنى الأخص هو العدل بالمعنى الأخص، وهو الكف عنه، ورفعه، والاستقامة، وإقامة كل أحد على حقه. والعدل بهذا المعنى هو المراد عند إطلاقه في الآيات والأخبار، وفضيلته أكثر من أن تحصى.
قال الله سبحانه: