وهو عليه غضبان، ومن طلبها استعفافا عن المسألة وصيانة لنفسه جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر ".
(الثالثة) ما صورته لله، ويمكن أن يجعل معناه من الدنيا بالقصد، وهو ترك الشهوات، وتحصيل العلم، وعمل الطاعات والعبادات. فهذه الثلاث إذا لم يكن لها باعث سوى أمر الله واليوم والآخر فهي لله صورة ومعنى، ولم تكن من الدنيا أصلا، وإن كان الغرض منها حفظ المال والحمية والاشتهار بالزهد والورع وطلب القبول بين الخلق بإظهار المعرفة صار من الدنيا معنى وإن كان يظن بصورته أنه لله ومنها:
حب المال وهو من شعب حب الدنيا، إذ حب الدنيا يتناول حب كل حظ عاجل، والمال بعض أجزاء الدنيا، كما أن الجاه بعضها، واتباع شهوة البطن والفرج بعضها، وتشفي الغيظ بحكم الغضب والحسد بعضها، والكبر وطلب العلو بعضها.
وبالجملة: لها أبعاض كثيرة يجمعها كل ما للانسان فيه حظ عاجل، فآفات الدنيا كثيرة الشعب والأرجاء، واسعة الأرجاء والأكناف، ولكن أعظم آفاتها المتعلقة بالقوة الشهوية هو (المال)، إذ كل ذي روح محتاج إليه ولا غناء له عنه، فإن فقد حصل الفقر الذي يكاد أن يكون كفرا، وإن وجد حصل منه الطغيان الذي لا تكون عاقبة أمره إلا خسرا، فهو لا يخلو من فوائد وآفات، وفوائده من المنجيات وآفاته من المهلكات، وتمييز خيرها وشرها من المشكلات، إذ من فقده تحصل صفة الفقر، ومن وجوده تحصل صفة الغناء، وهما حالتان يحصل بهما الامتحان.
ثم (للفاقد) حالتان: القناعة، والحرص. وإحداهما محمودة والأخرى مذمومة. و (للحريص) حالتان: تشمر للحرف والصنائع مع اليأس عن الخلق، وطمع بما في أيديهم. وإحدى الحالتين شر من الأخرى.
و (للواجد) حالتان: إمساك، وإنفاق. وأحدهما مذموم والآخر ممدوح.
و (للمنفق) حالتان: إسراف، واقتصاد. والأول مذموم والثاني ممدوح.
وهذه أمور متشابهة لا بد أولا من تمييزها، ثم الأخذ بمحمودها والترك