نفسه لأنها ظفرت بمقصودها، ولو تغير الناس عما اعتقدوا فيه وذموه أو نسبوه إلى أمر غير لائق، ربما جزعت نفسه وتألمت وتوصلت إلى الاعتذار من ذلك وإماطة ذلك الغبار عن قلوبهم، وربما يحتاج في إزالة ذلك عن قلوبهم إلى كذب وتلبيس ولا يبالي به، وبه يتبين أنه بعد محب للجاه والمنزلة، ولا يمكنه إلا يحب المنزلة في قلوب الناس ما دام يطمع في الناس، ولا يقطع الطمع عن الناس إلا بالقناعة. فمن قنع استغنى عن الناس، وإذا استغنى لم يشتغل قلبه بالناس ولم يكن لقيام منزلته في القلوب وزن عنده، بل من لم يطمع في الناس وكان من أهل المعرفة، كان الناس عنده كالبهائم، فكيف يكون طالبا لقيام منزلته في قلوبهم؟
والحاصل: إن الغالب والباعث على قيام المنزلة في قلوب الناس هو الطمع منهم، ولذا ترى أنك لا تطلب قيام منزلتك في قلوب من في أقصى المشرق أو المغرب، لعدم طمع لك فيهم، ثم ينبغي أن يستعين على المعالجة بالأخبار الواردة في ذم الجاه - كما مر - وفي مدح الخمول، كما يأتي.
فصل حب الخمول ضد حب الجاه والشهرة حب الخمول، وهو شعبة من الزهد، كما أن حب الجاه شعبة من حب الدنيا. فحب الدنيا والزهد ضدان.
ثم الخمول من صفات المؤمنين وخصال الموقنين، وقد كانت طوائف العرفاء المتوحدين ومن يماثلهم من سلفنا الصالحين محبين له طالبين إياه.
وكل من عرف الله وأحبه وأنس به، كان محبا للخمول متوحشا من الجاه وانتشار الصيت، كما تنادي به كتب السير والتواريخ. قد وردت بمدحه أخبار كثيرة، كقول رسول الله (ص): " إن اليسير من الرياء شرك، وإن الله يحب الأتقياء الأخفياء، الذين إذا غابوا لم يفقدوا، وإذا حضروا لم يعرفوا قلوبهم مصابيح الهدى، يتحول من كل غبراء مظلمة ". وقوله (ص):
" رب ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره، لو قال: اللهم أسألك الجنة! لاعطاه الجنة ولم يعطه من الدنيا شيئا ". وقوله (ص): " ألا أدلكم على أهل الجنة؟ كل ضعيف مستضعف، لو أقسم على الله لأبره ". وقوله