عند النبي (ص) فأكثر، فقال له النبي: كم دون لسانك من حجاب؟ فقال:
شفتاي وأسناني. فقال: أفما كان في ذلك ما يرد كلامك؟ ". وفي رواية أخرى: " إنه قال ذلك في رجل أثنى عليه، فاستهتر في الكلام، ثم قال:
ما أوتي رجل شرا من فضل في لسانه ". وروي: " أنه قدم رهط من بني عامر على رسول الله (ص)، فشرعوا بالمدح والثناء عليه. فقال (ص):
قولوا قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان! " (28). ومراده (ص): إن اللسان إذا أطلق الثناء، ولو بالصدق، فيخشى أن يستهويه الشيطان إلى الزيادة المستغنى عنها. وقال بعض الصحابة: " إن الرجل ليكلمني بالكلام وجوابه أشهى إلي من الماء البارد على الظمآن، فأتركه خيفة أن يكون فضولا ".
وقال بعض الأكابر: " من كثر كلامه كثر كذبه ". وقال بعضهم: " يهلك الناس في خصلتين: فضول المال، وفضول الكلام ".
فصل حد التكلم بما لا يعني التكلم بما لا يعني وبالفضول لا تنحصر أنواعه وأقسامه، لعدم تناهيها وإنما حده أن تتكلم بما لو سكت عنه لم تأثم، ولم تتضرر في شئ مما يتعلق بك، ولم يعطل شئ من أمورك. مثاله: أن تحكي مع قوم أسفارك، وما رأيت فيها من جبال وأنهار، وما وقع لك من الوقايع، وما استحسنته من الأطعمة والثياب، وما تعجبت منه من مشايخ البلاد ووقائعهم. فهذه أمور لو سكت عنها لم تأثم ولم تتضرر، ولا يتصور فيها فائدة دينية ولا دنيوية لأحد، فإذا بالغت في الاجتهاد حتى لا تمتزج بحكايتك زيادة ونقصان، ولا تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة الأحوال العظيمة، ولا اغتياب شخص ولا مذمة شئ مما خلقه الله، فإنك مع ذلك كله مضيع وقتك.
ثم كما إن التكلم بما لا يعنيك مذموم، كذلك سؤالك غيرك عما لا يعنيك مذموم، بل هو أشد ذما، لأنك بالسؤال مضيع وقتك، وقد ألجأت أيضا صاحبك بالجواب إلى تضييع وقته. وهذا إذا كان الشئ مما لا يتطرق