وانظر إن كنت أنا بعد قبوله في قلبك أفضل مني قبل القبول فأخبرني حتى آخذه وإلا فلا، وعلامة ذلك أن يشق على المعطي رده، ويفرح بالقبول، ويرى المنة على نفسه في قبوله، وإن كان (صدقة أو زكاة) أو غير ذلك مما يكون للثواب المحض فينبغي أن ينظر في استحقاقه لذلك، فإن كان من أهله قبله وإلا رده، وإن كان المعطي أعطاه لوصف يعلمه فيه كعلم أو ورع أو كونه علويا، ولو لم يكن له هذا الاختصاص لنفر طبعه، ولما تقرب إلى الله بإعطائه، ولم يكن له باطنا كذلك فأخذه حرام، وإن لم يكن هدية ولا صدقة بل أعطاه للشهرة والرياء والسمعة فينبغي أن يرد عليه ولا يقبله، وإلا كان معينا له على غرضه الفاسد، والإعانة على الإثم إثم.
فصل موارد قبول العطاء وردها ما يعطى الفقير إن كان محتاجا إليه ولم يكن أزيد من حاجته فالأفضل له الأخذ إذا سلم من الآفات المذكورة، قال رسول الله (ص): " ما المعطي من سعة بأعظم أجرا من الآخذ إذا كان محتاجا "، وقال (ص):
" من أتاه شئ من هذا المال من غير مسألة ولا استشراف فإنما هو رزق ساقه الله إليه فلا يرده "، وإن كان زائدا على قدر حاجته فليرد الزائد إن كان طالبا طريق الآخرة، إذ الزيادة على قدر الحاجة إنما يأتيك ابتلاء وفتنة لينظر الله إليك ماذا تعمل فيه، وقدر الحاجة يأتيك رفقا بك، فأنت في أخذ قدر الحاجة مثاب، وفيما زاد عليه إما عاص أو متعرض للحساب، قال رسول الله (ص): " لا حق لابن آدم إلا في ثلاث: طعام يقيم صلبه، وثوب يواري عورته، وبيت يسكنه، فما زاد فهو حساب "، فلا ينبغي لطالب السعادة أن يأخذ الأزيد من قدر الحاجة، إذ النفس إذا رخصت في نقض العزم والعهد ألفت به، وردها بعد الألف والعادة مشكل.
والحاصل أن أخذ قدر الحاجة راجح لكونه مما لا بد منه، وإيجابه ثواب المعطي، ولذلك لما أمر موسى بن عمران (ع) بأن يفطر عند بني إسرائيل قال: إلهي ما بالي فرقت رزقي على أيدي بني إسرائيل يغديني هذا يوما ويعشيني ذا ليلة، فأوحى الله إليه: " هكذا أصنع بأوليائي