أجري أرزاقهم على أيدي البطالين من عبادي ليؤجروا فيهم ". فلا ينبغي أن يرى المعطي إلا من حيث إنه مسخر مأجور.
وأما أخذ الزيادة على قدر الحاجة فليس مما ينبغي: نعم من كان حاله التكفل بأمور الفقراء والإنفاق عليهم، لما في طبعه من البذل والسخاء، والرفق والعطاء، فيجوز له أخذ الزيادة ليبذلها على المستحقين، ولكن يلزم أن يبادر إلى الصرف إليهم ولا ينبغي أن يدخر، إذ في إمساكه ولو في يوم واحد أو ليلة واحدة فتنة واختبار، فربما مالت النفس إلى الامساك ويصير وبالا عليها، وقد نقل أن جماعة تصدوا لخدمة الفقراء والتكفل لأحوالهم فخدعتهم النفس الأمارة بإعانة الشيطان فاتخذوها وسيلة إلى التوسع في المال، والتنعم في المطعم والمشرب، وانجر أمرهم إلى الهلاك.
فصل لا يجوز السؤال من غير حاجة ينبغي للمؤمن ألا يسأل الناس من غير حاجة اضطر إليها، بل يستعف عن السؤال ما استطاع، لأنه فقر معجل، وحساب طويل يوم القيامة، والأصل فيه التحريم لتضمنه الشكوى من الله، وإذلال السائل نفسه عند غير الله، وإيذاء المسؤول غالبا، إذ ربما لم تسمح نفسه بالبذل عن طيب القلب، وبعد السؤال ألجأه الحياء أو الرياء إليه، ومعلوم أن الاعطاء استحياء أو رياء لئلا ينقص جاهه عند الناس بنسبتهم إياه إلى البخل لا يكون له حلية شرعا.
ولتضمنه هذه المفاسد ورد في الشريعة المنع منه، قال: رسول الله (ص):
" مسألة الناس من الفواحش "، وقال (ص): " من سأل عن ظهر غنى فإنما يستكثر من جمر جهنم، ومن سأل وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ووجهه عظم يتقعقع ليس عليه لحم ". وقال: " من سأل الناس وعنده قوت ثلاثة أيام لقي الله يوم يلقاه وليس على وجهه لحم " (55) وقال (ص):
" ما من عبد فتح على نفسه بابا من المسألة إلا فتح الله عليه سبعين بابا من