يغلب ذلك على القلب والتفكر في صفات الله تعالى وأفعاله والاشتغال بمناجاته حتى يغلب على قلبه نور جلاله وعظمته، ويستولي عليه حبه وأنسه، وكم من أعمال يتعب الإنسان فيها ويظن أنها خالصة لوجه الله تعالى، ويكون فيها مغرورا لعدم عثوره على وجه الآفة فيها، كما حكي عن بعضهم أنه قال: " قضيت صلاة ثلاثين سنة كنت صليتها في المسجد جماعة في الصف الأول، لأني تأخرت يوما لعذر وصليت في الصف الثاني، فاعترتني خجلة من الناس حيث رأوني في الصف الثاني فعرفت أن نظر الناس إلي في الصف الأول كان يسرني، وكان سبب استراحة قلبي من ذلك من حيث لا أشعر ". وهذا دقيق غامض، وقلما تسلم الأعمال من أمثاله، وقل من يتنبه له، والغافلون عنه يرون حسناتهم في الآخرة كلها سيئات، وهم المرادون بقوله تعالى:
" وبدا لهم سيئات ما عملوا " (42). " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " (43). وبقوله: " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا؟ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " (44).
فصل مدح الإخلاص الإخلاص منزل من منازل الدين، ومقام من مقامات الموقنين. وهو الكبريت الأحمر، وتوفيق الوصول إليه من الله الأكبر، ولذا ورد في فضيلته ما ورد من الآيات والأخبار، قال الله تعالى.
" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " (45) وقال: " ألا لله الدين الخالص " (46). وقال: " إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله " (47). وقال: " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا