فماذا ينفع الحسد الحاسد، وماذا يضر المحسود الحسد. والحسد أصله من عمى القلب والجحود بفضل الله تعالى، وهما جناحان للكفر، وبالحسد وقع ابن آدم في حسرة الأبد، وهلك مهلكا لا ينجو منه أبدا، ولا توبة للحاسد، لأنه مصر عليه معتقد به مطبوع فيه، يبدوا بلا معارض به ولا سبب، والطبع لا يتغير عن الأصل، وإن عولج " (6). وقال بعض الحكماء:
" الحسد جرح لا يبرأ ". وقال بعض العقلاء: " ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد، إنه يرى النعمة عليك نقمة عليه ". وقال بعض الأكابر:
" الحاسد لا ينال من المجالس إلا مذمة وذلا، ولا من الملائكة إلا لعنة وبغضا، ولا ينال من الخلق إلا جزعا وغما، ولا ينال عند النزع إلا شدة وهولا، ولا ينال عند الموقف إلا فضيحة ونكالا ". والأخبار والآثار في ذم الحسد أكثر من أن تحصى، وما ذكرناه يكفي لطالب الحق. ثم ينبغي أن يعلم أنه إذا أصاب النعمة كافر أو فاجر وهو يستعين بها على تهيج الفتنة وإيذاء الخلق وإفساد ذات البين، فلا مانع من كراهتها عليه وحب زوالها منه، من حيث إنها آلة للفساد لا من حيث إنها نعمة.
فصل المنافسة والغبطة قد علمت أن المنافسة هي تمني مثل ما للمغبوط، من غير أن يريد زواله عنه، وليست مذمومة، بل هي في الواجب واجبه، وفي المندوب مندوبة، وفي المباح مباحه. قال الله سبحانه:
" وفي ذلك فليتنافس المتنافسون " (7).
وعليها يحمل قول النبي (ص): " لا حسد إلا في اثنين: رجل آتاه الله مالا، فسلطه على ملكه في الحق. ورجل آتاه الله علما، فهو يعمل به ويعلمه الناس ": أي لا غبطة إلا في ذلك، سميت الغبطة حسدا كما يسمى الحسد منافسة، اتساعا لمقارنتهما. وسبب الغبطة حب النعمة التي للمغبوط، فإن كانت أمرا دينيا فسببها حب الله وحب طاعته، وإن كانت دنيوية فسببها