وعلى هذا، فالاتفاق يطهر صاحبه من خبث البخل المهلك، وإنما طهارته بقدر بذله، وبقدر فرحه بإخراجه واستبشاره بصرفه إلى الله تعالى.
الثالث - شكر النعمة، فإن لله سبحانه على عبده نعمة في نفسه ونعمة في ماله. فالعبادات البدنية شكر لنعمة البدن، والمالية شكر لنعمة المال.
وما أقبح بالغني المسلم أن ينظر إلى فقير مسلم، وقد ضيق الرزق عليه وأحوج إليه، ثم لا تسمح نفسه بأن يؤدي شكر الله تعالى على إغنائه عن السؤال، وإحواج غيره إليه، بإعطاء عشر أو ربع عشر من ماله.
فصل الحث على التعجيل في الاعطاء ينبغي للمعطي المنفق، عند ظهور داعية الخير من باطنه، أن يغتنم الفرصة، ويسارع إلى الامتثال، تعجيلا لإدخال السرور في قلوب الفقراء.
وحذرا عن عوائق الزمان المانعة عن الخيرات، وعلما بأن في التأخير آفات، وتنبها بأن انبعاث داعية الخير لمة الملك، وقلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن، فما أسرع تقلبه، والشيطان بعد الفقر ويأمر بالفحشاء والمنكر، وله لمة عقيب لمة الملك، وصونا للفقراء عن الاضطرار إلى السؤال إذ ورد: إن الاعطاء معه مكافأة لوجهه المبذول وثمن لما أخذ منه، وليس بمعروف. وروي: " أن أمير المؤمنين (ع) بعث إلى رجل بخمسة أوساق من ثمر البغيبغة، وكان الرجل ممن ترجى نوافله، ويؤمل نائله ورفده، وكان لا يسأل عليا ولا غيره شيئا. فقال رجل لأمير المؤمنين (ع):
والله ما سألك فلان شيئا! ولقد كان يجزيه من الخسة أوساق وسق واحد.
فقال له أمير المؤمنين (ع): لأكثر الله في المؤمنين ضربك! أعطي أنا، وتبخل أنت! لله أنت! إذا أنا لم أعط الذي يرجوني إلا من بعد المسألة، ثم أعطيه بعد المسألة، فلم أعطه إلا ثمن ما أخذت منه، وذلك لأني عرضته أن يبذل لي وجهه الذي يعفره في التراب لربي وربه عز وجل عند تعبده له وطلب حوائجه إليه. فمن فعل هذا بأخيه المسلم، وقد عرف أنه موضع لصلته ومعروفه، فلم يصدق الله في دعائه، حيث يتمنى له الجنة