يمكن أن يعاود الجميع في الدعوة إلى الضلالة إذا مروا عليه مرة أخرى إلا الأخير، مخافة أن يزداد فائدة باستعجاله.
وصل الإخلاص وحقيقته ضد الرياء الإخلاص، وهو تجريد القصد من الشوائب كلها. فمن عمل طاعة رياء فهو مراء مطلق، ومن عملها وانضم إلى قصد القربة قصد غرض دنيوي انضماما غير مستقل فعله مشوب غير خالص، كقصد الانتفاع بالحمية من الصوم، وقصد التخلص من مؤنة العبد أو سوء خلقه من عتقه، وقصد صحة المزاح أو التخلص من بعض الشرور والأحزان من الحج، وقصد العزة بين الناس أو سهولة طلب المال من تعلم العلم، وقصد النظافة والتبرد وطيب الرائحة من الوضوء والغسل، والتخلص عن إبرام السائل من التصدق عليه، وهكذا. فمتى كان باعث الطاعة هو التقرب ولكن انضافت إليه خطرة من هذه الخطرات، خرج عمله من الإخلاص.
فالإخلاص تخليص العمل عن هذه الشوائب كلها، كثيرها وقليلها. والمخلص من يكون عمله لمحض التقرب إلى الله سبحانه، من دون قصد شئ آخر أصلا.
ثم أعلى مراتب الإخلاص. وهو الإخلاص المطلق وإخلاص الصديقين إرادة محض وجه الله سبحانه عن العمل، دون توقع غرض في الدارين.
ولا يتحقق إلا لمحب لله تعالى مستهترا به، مستغرق الهم بعظمته وجلاله، بحيث لم يكن ملتفتا إلى الدنيا مطلقا. وأدناها - وهو الإخلاص الإضافي - قصد الثواب والاستخلاص من العذاب، وقد أشار سيد الرسل (ص) إلى حقيقة الإخلاص بقوله: " هو أن تقول ربي الله ثم تستقم كما أمرت (41) تعمل لله، لا تحب أن تحمد عليه! أي لا تعبد هواك ونفسك، ولا تعبد إلا ربك، وتستقيم في عبادتك كما أمرت ". وهذا إشارة إلى قطع ما سوى الله سبحانه عن مجرى النظر، وهو الإخلاص حقا. ويتوقف تحصيله على كسر حظوظ النفس وقطع الطمع عن الدنيا والتجرد في الآخرة، بحيث ما