والجلباب: كناية عن الستر على فقره، والتجفاف (11)، كناية عن كسب طيب يدفع فقره. وقيل له في رجل قال: لأقعدن في بيتي، ولأصلين، ولأصومن، ولأعبدن ربي، فأما رزقي فسيأتيني: قال أبو عبد الله: " هذا أحد الثلاثة الذين لا يستجاب لهم ".
وهذا - أي ملكة تحصيل المال الحلال من المكاسب الطيبة وصرفها في المخارج المحمودة - هو الحرية بأخذ المعنيين، إذ للحرية إطلاقان: (أحدهما) ذلك، وهو الحرية بالمعنى الأخص، (وثانيهما) التخلص عن أسر الهوى وعبودية القوة الشهوية، وهو الحرية بالمعنى الأعم المرادفة، وضده الرقية بالمعنى الأعم الذي هو طاعة الشهوة ومتابعة الهوى.
وضد الأول - أعني الرقية بالمعنى الأخص - هو افتقاره إلى الناس فيما يحتاج إليه من الرزق، وإلقاء نظره إلى أيديهم، وحوالة رزقه على أموالهم إما على وجه محرم، كالغضب والتهب والسرقة وأنواع الخيانات، أو غير محرم، كأخذ وجوه الصدقات وأوساخ الناس، بل مطلق الأخذ منهم إذا جعل يده يدا سفلى ويدهم يدا عليا. ولا ريب في كون الرقية بهذا المعنى مذمومة، إذ الوجه (الأول) محرم في الشريعة وموجب للهلاك الأبدي، والوجه (الثاني) وإن لم يكن محرما إذا كان فقيرا مستحقا، إلا أنه لا يجابه التوقع من الناس وكون نظره إليهم يقتضي المذلة والانكسار والتخضع للناس والرقية والعبودية لهم، وهذا يرفع الوثوق بالله والاعتماد والتوكل عليه، ينجز ذلك إلى سلب التوكل على الله بالكلية، وترجيح المخلوق على الخالق، وهذا ينافي مقتضى الإيمان والمعرفة الواقعية بالله سبحانه.
فصل الدنيا المذمومة هي الهوى قد ظهر مما ذكر: أن الدنيا المذمومة حظ نفسك الذي لا حاجة إليه لأمر الآخرة، ويعبر عنه بالهوى، وإليه أشار قوله تعالى: