فصل ما ينبغي للفقراء في أخذ الصدقة ينبغي للفقير الأخذ أن يعلم أن الله تعالى أوجب صرف المال إليه ليكفي مهمته، فتتجرد للعبادة والاستعداد للموت، فينبغي أن يتأهب لذلك ولا يصرفه عنه فضول الدنيا، ويشكر الله على ذلك، ويشكر المعطي، فيدعو له ويثني عليه مع رؤية النعمة من الله سبحانه، قال رسول الله (ص):
" من لم يشكر الناس لم يشكر الله ". وقال الصادق (ع): " لعن الله قاطعي سبيل المعروف قيل: وما قاطعو سبل المعروف؟ قال: الرجل يصنع إليه المعروف فيكفره. فيمنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره " (9) وقال أمير المؤمنين (ع): " من صنع بمثل ما صنع إليه فإنما كافأه، ومن ضعفه كان شكورا، ومن شكر كان كريما ".
وينبغي له أيضا أن يستر عيوب صاحب العطاء، ولا يذمه ولا يحقره، ولا يعيره بالمنع إذا منع، ويفخم عند نفسه وعند الناس إعطاءه، بحيث لا يخرجه عن كونه واسطة، لئلا يكون مشركا، وأن يتوقى مواقع الحرمة والريبة والشبهة في أصله ومقداره، فلا يأخذ من لا يحل ماله أو يشتبه، كعمال السلاطين والجنود ومن أكثر كسبه من الحرام، ولا الزيادة على قدر الحاجة، ولا يسأل على رؤس الملأ ممن يستحي الرد، وأن يتورع العالم والمتقي من أخذ الزكاة والصدقات ما لم يضطر إليها، تنزيها لنفسه عن الأوساخ وأن يستر الأخذ بنية أنه أبقى لستر المروة والتعفف، وأصون لنفسه عن الإهانة والإذلال، وأعون للمعطي على الإخفاء والأسرار، وسلم لقلوب الناس من الحسد وسوء الظن، أو يظهره بنية الإخلاص والصدق، وإظهار المسكنة والعبودية، والتبري عن الكبر، وتلبيس الحال وإقامة سيئة الشكر، أو غير ذلك، فإنه يختلف باختلاف النيات والأشخاص والأحوال، ولكل امرئ ما نوى، وكل مراقب للأحوال عارف بالفوائد والمفاسد، يمكنه الأخذ بالأنفع الأرجح.