اللعنة. وعلى هذا لا يجوز دخول بيت الظلمة والفسقة، ولا حضور المشاهد التي يشاهد فيها المنكر ولا يقدر على تغييره، إذ لا يجوز مشاهدة المنكر من غير حاجة، اعتذارا بأنه عاجز. ولهذا أختار جماعة من السلف العزلة، حذرا من مشاهدة المنكر في الأسواق والمجامع والأعياد، مع عجزهم عن التغيير.
ثم إذا كان الأمر في المداهنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهذه المثابة، فيعلم أن الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف كيف حاله. قال رسول الله (ص): " كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ "، فقيل له (ص): ويكون ذلك يا رسول الله؟! قال: " نعم! وشر من ذلك! كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟! "، فقيل له: يا رسول الله، ويكون ذلك؟! قال:
" نعم! وشر من ذلك! كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا؟! "، وفي رواية: " وعند ذلك يبتلى الناس بفتنة، يصير الحليم فيها حيران " (51).
ومن تأمل في الأخبار والآثار، وأطلع على التواريخ والسير وقصص الأمم السالفة والقرون الماضية، وما حدثت لهم من العقوبات، وضم ذلك إلى التجربة والمشاهدة في عصره، من ابتلاء الناس ببعض البلايا السماوية والأرضية، يعلم أن كل عقوبة سماوية وأرضية، من الطاعون والوباء، والقحط والغلاء، وحبس المياه والأمطار، وتسلط الظالمين والأشرار، ووقوع القتل والغارات، وحدوث الصواعق والزلازل، وأمثال ذلك، تكون مسبوقة بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الناس.
وصل السعي في الأمر بالمعروف ضد المداهنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو السعي فيهما والتشمير لهما. وهو أعظم مراسم الدين، والمهم الذي بعث الله لأجله