في الجوارح ".
ومنها:
السخرية والاستهزاء وهو محاكاة أقوال الناس أو أفعالهم أو صفاتهم وخلقهم، قولا وفعلا، أو إيماءا وإشارة، على وجه يضحك منه. وهو لا ينفك عن الإيذاء والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص. وإن لم يكن ذلك بحضرة المستهزأ به.
فيتضمن الغيبة أيضا. وباعثه إما العداوة أو التكبر واستصغار المستهزأ به، فيكون من رذائل القوة الغضبية، أو قصد ضحك الأغنياء وتنشيط قلوبهم، طمعا في بعض أوساخهم الملوثة، وأخذ النبذ من حطامهم المحرمة، ولا ريب في أنه صفة من لاحظ له في الدين، وشيمة أراذل أحزاب الشياطين، لأنهم يظهرون أكاذيب الأقوال ويرتكبون أعاجيب الأفعال، يخلعون قلائد الحرية عن الرقاب، ويهتكون أستار الحياء بمرأى من أولي الألباب، يبتغون عيوب المؤمنين وعوراتهم، ويظهرون نقائص المسلمين وعثراتهم، يقلدون أفعال الأخيار على وجه يضحك الأشرار، ويحاكون صفات الأبرار على أفضح الوجوه في الأنظار. ولا ريب في أن المرتكب لهذه الأفعال بعيد عن الإنسانية بمراحل، ومستوجب لعقوبة العاجل وعذاب الآجل، ولا يخلو ساعة عن الصغار والهوان، ولا وقع له في قلوب أهل الإيمان، وكفاه ذما أنه جعل تلك المعاصي الخبيثة وسيلة لتحصيل المال أو الواقع في قلوب أبناء الدنيا، ويلزمه عدم اعتقاده بأن الله سبحانه هو المتكفل لأرزاق العباد.
والطريق في دفعه - بعد التأمل في سوء عاقبته، ووخامة خاتمته، وفيما يلزمه من الذلة والهوان في الدنيا - أن يبادر إلى إزالة العداوة والتكبر إن كان باعثه ذلك، وإن كان باعثه تنشيط قلوب أهل الدنيا طمعا في مالهم، فليعلم أن لكل نفس ما قدر لها من الأموال والأرزاق، يصل إليها من الله سبحانه البتة، فإن من يتق الله ويتوكل عليه يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ويكون في الآخرة سعيدا، وإن أغواه الشيطان وحثه على تحصيلها من المداخل الخبيثة، لم يصل إليه أكثر مما قدر له، وكان في الآخرة شقيا.