الذي يمكن في حقه والاستيلاء، الذي يمكنه في حقه بالنظر إلى القسمين الأولين هو الإحاطة عليه بالعلم والاطلاع على أسراره، لأن ذلك نوع استيلاء. إذ المعلوم المحاط به تحت القدرة، والعالم كالمستولي عليه.
ولذلك أحب الإنسان أن يعرف الواجب تعالى والملائكة والأفلاك والكواكب وعجائب الملك والملكوت، لأن ذلك نوع استيلاء، والاستيلاء نوع كمال.
وأما القسم الثالث، فيمكنه أن يستولي عليه بالتصرف فيه كيف يريد فيقدر على الأراضي والأملاك بأن يتصرف فيها بالحيازة والضبط والزرع والغرس، وعلى الأجساد الأرضية الحيوانية والنباتية والجمادية بالركوب والضبط والحمل والرفع والوضع والتسليم والمنع، وعلى نفوس الآدميين وقلوبهم بأن تكون مسخرة متصرفة تحت إشارته وإرادته وصيرورتها محبة له باعتقاد الكمال فيه. ولكون هذا النوع من الاستيلاء نوع كمال، أحب الإنسان هذا الاستيلاء على الأموال والقلوب، وإن كان لا يحتاج إليهما في ملبسه ومطعمه وفي شهوات نفسه، ولذلك طلب استرقاق العبيد واستعباد الأحرار ولو بالقهر والغلبة. وقد ظهر مما ذكر: إن محبوب النفس بذاتها هو الكمال بالعلم والقدرة، والمال والجاه محبوب لكونه من أسباب القدرة.
ولما كانت المعلومات والمقدورات غير متناهية، فلا يكاد أن تقف النفس إلى حد من العلم والقدرة، ولهما درجات غير متناهية، فسرور كل نفس ولذتها بقدر الدرجة التي تدركها.
فصل الكمال الحقيقي في العلم والقدرة والمال والجاه لما عرفت أن المحبوب عند الإنسان هو العلم والقدرة والمال والجاه لما عرفت أن المحبوب عند الإنسان هو العلم والقدرة والمال والجاه لكونها كمالا، فاعلم أنه اشتبه الأمر عليه بإغواء الشيطان، حيث التبس عليه الكمال الحقيقي بالوهمي، وتيقن بكون جميع ذلك كمالا وأحبه. إذ التحقيق أن بعضها كمال حقيقي وبعضها كمال وهمي لا أصل له، والسعي في طلبه جهل وخسران وتضييع وقت وخذلان.
بيان ذلك: إنه لا ريب في عدم كون المال والجاه كمالا، لأن القدرة والاستيلاء على أعيان الأموال بوجوه التصرف وعلى القلوب والأبدان