لنفسه منها ما يقدر عليها، وكحضوره مجالس العلم والوعظ والتعزية لملاحظة النسوان والصبيان، وهذا أشد درجات الرياء إثما، ويقرب منه إظهار الديانة والتقوى ليدفع عن نفسه تهمة ما اقترفه من الجرائم، أو نيل حظ مباح من حظوظ الدنيا، كالاشتغال بالوعظ والتذكير والإمامة والتدريس وإظهار الصلاح والورع، لتستبذل له الأموال وترغب في تزويجه النسوان أو خوف أن ينظر إليه بعين النقص والحقارة، أو ينسب إلى الكسالة والبطالة كترك العجلة والضحك بعد اطلاع الناس عليه، خوفا من أن يعرف باللهو والهزل فيستحقر، وكالقيام للتهجد وأداء النوافل إذا وقع بين المجتهدين والمتنفلين لئلا ينسب إلى الكسالة، ولو خلى بنفسه لم يتنفل مطلقا، وكذا الامتناع من الأكل والشرب في اليوم الذي يصام فيه تطوعا، وتصريحه بأني صائم، خوفا من أن ينسب إلى البطالة، وربما لم يصرح بكونه صائما، بل يقول: لي عذر، وحينئذ قد جمع بين رياءين: الرياء بكونه صائما، والرياء بكونه مخلصا غير مراء. ثم إن ألجأته الكسالة والشهوة إلى عدم القيام إلى النوافل وعدم الصبر عن الأكل والشرب، ذكر لنفسه عذرا، تصريحا أو تعريضا، كأن يتعلل الترك بمرض أو ضعف أو شدة العطش أو تطييب خاطر فلان، وقس عليها غيرها من الكلمات والأعذار، فإنها لا تسبق إلى اللسان إلا لرسوخ عرق الرياء في النفس، والمخلص لا يريد غير الله والتقرب إليه، ولا يعتني بالخلق وحصول المنزلة في قلوبهم، فإن لم يصم لم يحب أن يعتقد غيره فيه ما يخالف علم الله ليكون ملبسا، وإن صام قنع بعلم الله ولم يشرك فيه غيره. ثم هذه البواعث لما كان بعضها صادرا من رداءة قوة الغضب وبعضها من رداءة قوة الشهوة، فيكون بعض أنواع الرياء من رذائل الأولى وبغضها من رذائل الثانية.
تنبيه الرياء الجلي والخفي الرياء جلي وخفي، والجلي: ما يبعث على العمل لولا قصد الثواب والخفي: ما لا يبعثه بمجرده إلا أنه يخفف العمل الذي أريد به التقرب في الخلوة، ويعرف بالسرور إذا أطلع عليه الناس، لا للمقاصد المتقدمة، بل