أعني. الشكوى والذل والإيذاء، وتندفع هذه المحذورات بأن يظهر حاجته تعريضا بعد تقديم الشكر لله، وإظهار الاستغناء عن الخلق عند بعض الأصدقاء أو الأسخياء، إذ السؤال من الصديق لا يوجب الإذلال، والسخي لا يتأذى بالسؤال بل يفرح به.
ثم ما ذكر إنما هو في السؤال للاحتياج إليه بعد النسبة لما يحتاج إليه في الحال، وأما السؤال لما يحتاج إليه في الاستقبال، فإن كان يحتاج إليه بعد السنة فهو حرام قطعا، وإن كان يحتاج إليه قبلها، سواء كان بعد أربعين يوما من يومه أو خمسين أو أقل أو أكثر، فإن أمكنه السؤال عند بلوغ وقت الحاجة فلا يحل له السؤال، وإن علم بأنه لا يتمكن من السؤال عنده فهو جائز مع الكراهة والمرجوحية، وكلما كان تراخي الحاجة عن يومه أكثر كانت الكراهة أشد. ثم معرفة درجات الحاجة وضعفها وشدتها والوقت الذي يحتاج فيه موكول إلى العبد ومنوط باجتهاده ونظره لنفسه بينه وبين الله، فليعمل به بعد استغناء قلبه على ما يقتضيه سلوك طريق الآخرة، وكلما كان يقينه أقوى، وثقته بمجئ الرزق أتم، وقناعته بقوت الوقت أظهر، فدرجته عند الله أعلى.
فيا حبيبي، لا تهبط نفسك من أوج التوكل والاعتماد على الله إلى حضيض الخوف والاضطراب في مجئ رزقك، ولا تصغ إلى تخويف الشيطان، فإنه يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، وكن مطمئنا بوعد ربك، إذ قال:
" والله يعدكم مغفرة منه وفضلا " (61).
واسمع قول نبيك (ص) حيث قال: " لو توكلتم على الله حق توكله، لرزقتم كما ترزق الطيور، تغدوا خماصا وتروح بطانا ".
ومنها:
الحرص وهو معنى راتب في النفس، باعث على جميع ما لا يحتاج إليه ولا يفيده من الأموال، من دون أن ينتهي إلى حد يكتفى به، وهو أقوى شعب حب