آخر، يكون الإسرار أفضل. فلا بد لكل منفق أن يلاحظ حاله ووقته، ويقابل الفائدة بالمحذور، ويختار ما هو الأفضل. ومن عرف الفوائد والغوائل، ولم ينظر بعين الشهوة، اتضح له ما هو الأولى والأليق.
فصل ذم المن والأذى في الصدقة ينبغي للمتصدق أن يجتنب عن المن والأذى. قال الله سبحانه:
" لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى " (100). وقال: " قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى " (101).
وقال رسول الله (ص): " إن تبارك وتعالى كره لي ست خصال وكرهتهن للأوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي: العبث في الصلاة، والرفث في الصوم، والمن بعد الصدقة، وإتيان المساجد جنبا، والتطلع في الوفد، والضحك بين القبور ".
و (المن): أن يرى نفسه محسنا. ومن ثمراتها الظاهرة: الإظهار بالاتفاق، والتحدث به، وطلب المكافأة منه، بالشكر والخدمة والتعظيم، والمتابعة في الأمور. و (الأذى): التعيير، والتوبيخ، والاستخفاف، والاستخدام، والقول السئ، وتقطيب الوجه، وهتك الستر. ثم معرفة الأذى ظاهرة، وكذا معرفة الثمرات الظاهرة للمن. وأما المن الباطني، أي رؤية نفسه محسنا، فيعرف بأن يكون استبعاده من خيانة القابض بعد العطاء أكثر من استبعاده منه قبله.
وعلاج المن: أن يعرف أن المحسن هو الفقير القابض لإيصاله الثواب والإنجاء من العذاب، وكونه نائبا عن الله تعالى، وكون ما يعطيه حقا من الله سبحانه، أحال عليه الفقير إنجازا لما وعده من الرزق. وعلاج الأذى: أن يعرف أن سببه استكثار العطاء وكراهية إنفاق المال والتكبر على الفقير القابض برؤية نفسه خيرا منه، لغنائه واحتياجه، وجميع ذلك جهل وحماقة. أما استكثاره العطاء، فلأن ما أعطاه بالنظر إلى ما يطلبه لأجله