إصابة علم كل حركة وسكون، والمخلص ذائب روحه باذل مهجته في تقويم ما به العلم والأعمال والعامل والمعمول بالعمل، لأنه إذا أدرك ذلك فقد أدرك ذلك الكل، وإذا فاته ذلك فاته الكل، وهو تصفية معاني التنزيه في التوحيد كما قال الأول: هلك العاملون إلا العابدون، وهلك العابدون إلا العالمون وهلك العالمون إلا الصادقون، وهلك الصادقون إلا المخلصون، وهلك المخلصون إلا المتقون، وهلك المتقون إلا الموقنون، وإن الموقنين لعلى خطر عظيم! قال الله لنبيه (ص): اعبد ربك حتى يأتيك اليقين. وأدنى حد الإخلاص بذل العبد طاقته، ثم لا يجعل لعمله عند الله قدرا فيوجب به على ربه مكافأة بعمله، لعمله أنه لو طالبه بوفاء حق العبودية لعجز، وأدنى مقام المخلص في الدنيا السلامة في جميع الآثام، وفي الآخرة النجاة من النار والفوز بالجنة " (50).
ومن تأمل هذه الأخبار وفي غيرها مما لم يذكر، يعلم أن الإخلاص رأس الفضائل ورئيسها، وهو المناط في قبول الأعمال وصحتها، ولا عبرة بعمل لا إخلاص معه، ولا خلاص من الشيطان إلا بالإخلاص، لقوله:
" إلا عبادك منهم المخلصين " (51).
وما ورد في الإسرائيليات من حكاية العابد والشيطان والشجرة مشهور وفي الكتب مسطور (52).
فصل آفات الإخلاص الآفات التي تكدر الإخلاص وتشوشه لها درجات في الظهور والخفاء أجلاها الرياء الظاهر. ثم تحسين العبادة والسعي في الخشوع فيها في الملأ دون الخلوة ليتأسى به الناس، ولو كان عمله هذا خالصا لله لم يتركه في الخلوة، إذ من يرى الخشوع وحسن العبادة خيرا لا يرتضي لغيره