فصل أنواع الأموال إعلم أن الأموال على أقسام ثلاثة: حلال بين، وحرام بين، وشبهات بينهما. ولكل منها درجات، فإن الحرام وإن كان كله خبيثا، إلا أن بعضه أخبث من بعض، فإن ما يؤخذ بالمعاملة الفاسدة مع التراضي ليس في الحرمة كمال اليتيم الذي يؤخذ قهرا. وكذا الحلال وإن كان كله طيبا، إلا أن بعضه أطيب من بعض. والشبهة كلها مكروهة، ولكن بعضها أشد كراهة من بعض. وكما أن الطبيب يحكم على كل حلو بالحرارة، ولكن يقول بعضه حار في الدرجة الأولى، وبعضه في الثانية. وبعضه في الثالثة، وبعضه في الرابعة، فكذلك الحرام بعضه خبيث في الدرجة الأولى، وبعضه في الثانية وبعضه في الثالثة، وبعضه في الرابعة. وكذلك درجات الحلال في الصفاء والطيبة، ودرجات الشبهة في الكراهة.
ثم الحرام إما يحرم لعينه، كالكلب والخنزير والتراب وغيرها من المحرمات العينية، أو لصفة، حادثة فيه، كالخمر لإسكاره، والطعام المسموم لسميته، أو لخلل في جهة إثبات اليد عليه. وله أقسام غير محصورة، كالمأخوذ بالظلم والقهر والغصب والسرقة والخيانة في الأمانة وغيرها، والغش والتلبيس والرشوة، وبالبخس في الوزن والكيل، وبإحدى المعاملات الفاسدة، من الربا والصرف والاحتكار، وغير ذلك مما هو مذكور في كتب الفقه. وقد نهى الله سبحانه عن جميع ذلك في آيات كثيرة، كقوله تعالى:
" ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " (2). وقوله: " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما... الآية " (3). وعن خصوص الربا بقوله: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا أن كنتم مؤمنين "، ثم قال:
" فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله "، ثم قال: " وإن تبتم فلكم رؤس أموالكم " (4)، ثم قال: " ومن عاد فأولئك أصحاب النار " (5).