محذور وأضرار، وليس كل الكذب لزيادة المال والجاه وغير ذلك مما يستغنى عنه، فإنه محرم قطعا، إذ فواته لا يوجب ضررا وفسادا وإعداما للموجود بل إنما يوجب فوات حظ من حظوظ النفس. وكذلك فتوى العالم بما لا يحققه وفتوى من ليس له أهلية الافتاء، إظهارا للفضل أو طلبا للجاه والمال، بل هو أشد أنواع الكذب إثما وحرمة، لأنه مع كونه كذبا لما يستغنى عنه، كذب على الله وعلى رسوله.
فالكذب إذا كان وسيلة إلى ما يستغنى عنه حرام مطلقا، وإذا كان وسيلة إلى ما لا يستغنى عنه ينبغي أن يوازن (38) محذور الكذب مع محذور الصدق، فيترك أشدهما وقعا في نظر الشرع. وبيان ذلك: أن الكذب في نفسه محذور، والصدق في المواضع المذكورة يوجب محذورا، فينبغي أن يقابل أحد المحذورين بالآخر، ويوازنا بالميزان القسط، فإن كان محذور الكذب أهون من محذور الصدق فله الكذب، وإن كان محذور الصدق أهون وجب الصدق، وقد يتقابل المحذور أن بحيث يتردد فيهما، وحينئذ فالميل إلى الصدق أولى، إذ الكذب أصله الحرمة، وإنما يباح بضرورة أو حاجة مهمة، وإذا شك في كون الحاجة مهمة، لزم الرجوع إلى أصل التحريم.
تنبيه التورية والمبالغة كل موضع يجوز فيه الكذب، إن أمكن عدم التصريح به والعدول إلى التعريض والتورية، كان الأولى ذلك. وما قيل: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب، وإن فيها ما يغني الرجل عن الكذب، ليس المراد به أنه يجوز التعريض بدون حاجة واضطرار، إذ التعريض بالكذب يقوم مقام التصريح به، لأن المحذور من الكذب تفهيم الشئ على خلاف ما هو عليه في نفسه، وهذا موجود في الكذب بالمعاريض. فالمراد أن التعريض