النفاق وأصل الفساد، ويجر لا محالة إلى التساهل في العبادات والمراءاة بها، وإلى اقتحام المحظورات للتوصل بها إلى اقتناص القلوب، ولذلك شبه رسول الله حب الشرف والمال وإفسادهما للدين بذئبين ضاريين، وقال:
" إنه ينبت النفاق كما ينبت الماء البقل "، إذ النفاق هو مخالفة الظاهر للباطن بالقول والفعل، وكل من طلب المنزلة في قلوب الناس يضطر إلى النفاق معهم، وإلى التظاهر بخصال حميدة هو خال عنها، وذلك عين النفاق.
فصل الجاه أحب من المال إن لملك القلوب ترجيح على ملك المال بوجوه:
الأول - أن المال معرض التلف والزوال، لأنه يغصب ويسرق وتطمع فيه الملوك والظلمة، ويحتاج فيه إلى الحفظ والحراسة 4 وتتطرق إليه أخطار كثيرة. وأما القلوب إذا ملكت، فهي من هذه الآفات محفوظة نعم إنما يزول ملك القلوب بتغيير اعتقادها فيما صدقت به من الكمال الحقيقي أو الوهمي.
الثاني - إن التوصل بالجاه إلى المال أيسر من التوصل بالمال إلى الجاه، فالعالم أو الزاهد الذي تقرر له جاه في القلوب، لو قصد اكتساب المال تيسر له بسهولة، لأن أموال أرباب القلوب مسخرة للقلوب، ومبذولة لمن أذعنت له بالانقياد واعتقدت فيه أوصاف الكمال، وأما الخسيس العاري عن الكمال إذا ظفر بكثرة من المال ولم يكن له جاه يحفظ به ماله وأراد أن يتوصل به إلى الجاه، لم يتيسر له.
الثالث - أن ملك القلوب يسري وينمو ويتزايد من غير حاجة إلى تعب ومشقة، إذ القلوب إذا أذعنت بشخص واعتقدت اتصافه بعلم أو عمل أو غيره، أفصحت الألسنة بما فيها لا محالة، فيصف ما يعتقده لغيره وهو أيضا يذعن به ويصفه لآخر، فلا يزال يستطار في الأقطار، ويسري من واحد إلى واحد، إلى أن يجتمع معظم القلوب على التعظيم والقبول. وأما المال، فمن ملك شيئا منه فلا يقدر على استنمائه إلا بتعب ومقاساة. ولهذه الوجوه تستحقر الأموال في مقابلة عظم الجاه وانتشار الصيت وانطلاق