ويقتل سمها.
وفي قلة ما بقي منها بالإضافة إلى ما سبق: مثل ثوب شق من أوله إلى آخره، فبقي متعلقا في آخره، فيوشك ذلك الخيط أن ينقطع.
وفي قلة نسبتها إلى الآخرة: كمثل ما يجعل أحد إصبعه في اليم، فلينظر بم يرجع إليه من الأصل.
وفي تأدية علائقها بعض إلى بعض حتى ينجر إلى الهلاك: كماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله.
وفي تأدية الحرص عليها إلى الهلاك غما: كمثل دودة القز كلما ازدادت على نفسها لفا كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غما.
وفي تعذر الخلاص من تبعاتها واستحالة عدم التلوث بقاذوراتها بعد الخوض فيها كالماشي في الماء، فإنه يمتنع إلا تبتل قدماه.
وفي نضارة أولها وخباثة عاقبتها: كالأطعمة التي تؤكل، فكما أن الطعام كلما كان ألذ طعما وأكثر دسومة كان رجيعة أقذر وأشد نتنا، فكذلك كل شهوة من شهوات الدنيا التي كانت للقلب أشهى وأقوى، فنتنها وكراهيتها والتأذي بها عند الموت أشد، وهذا مشاهد في الدنيا. فإن المصيبة والألم والتفجع في كل ما فقد بقدر الالتذاذ بوجوده وحرصه عليه وحبه له، ولذا ترى أن من نهبت داره وأخذت أهله وأولاده، يكون تفجعه وألمه أشد مما إذا أخذ عبد من عبيده، فكل ما كان عند الوجود أشهى عنده وألذ، فهو عند الفقد أدهى وأمر، وما للموت معنى إلا فقد ما في الدنيا.
وفي تنعم الناس بها ثم تفجعهم على فراقها: مثل طبق ذهب عليه بخور ورياحين، في دار رجل هيأه فيها، ودعا الناس على الترتيب واحدا بعد واحد ليدخلوا داره، ويشمه كل واحد وينظر إليه، ثم يتركه لمن يلحقه، لا ليتملكه ويأخذه، فدخل واحد وجهل رسمه، فظن أنه قد وهب ذلك له، فتعلق به قلبه، لما ظن أنه له، فلما استرجع منه ضجر وتألم، ومن كان عالما برسمه انتفع به وشكره ورده بطيب قلب وانشراح صدر. فكذلك من عرف سنة الله في الدنيا، علم أنها دار ضيافة سبلت على المجتازين لينتفعوا بما فيها، كما ينتفع المسافر بالعواري، ثم يتركوها ويتوجهوا إلى مقصدهم