نزلته ثم ارتحلت عنه، أو كقنطرة تعبر عنها ولا تمكث عليها. وفي كونها مجرد الوهم والخيال، وكونها مما لا أصل لها ولا حقيقة، كفئ الظلال، أو خيالات المنام وأضغاث الأحلام، فإنك قد تجد في منامك ما تهواه، فإذا استيقظت ليس معك منه شئ.
وفي عداوتها لأهلها وإهلاكها إياهم: بامرأة تزينت للخطاب، حتى إذا نكحتهم ذبحتهم. فقد روي: " أن عيسى (ع) كوشف بالدنيا، فرآها في صورة عجوز شمطاء هتماء عليها من كل زينة، فقال لها: كم تزوجت؟
قالت: لا أحصيهم، قال: فكلهم مات عنك أو كلهم طلقك؟ قالت: بل كلهم قتلت، فقال عيسى (ع): بؤسا لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين؟
كيف تهلكينهم واحدا واحدا ولا يكونون منك على حذر؟! ".
وفي مخالفة باطنها لظاهرها: كعجوز متزينة تخدع الناس بظاهرها.
فإذا وقفوا على باطنها وكشفوا القناع عن وجهها، ظهرت لهم قبائحها.
روي: " أنه يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء، أنيابها بادية، مشوه خلقها، فتشرف على الخلائق، ويقال لهم: تعرفون هذه؟
فيقولون: نعوذ بالله من معرفة هذه! فيقال: هذه الدنيا التي تفاخرتم عليها، وبها تقاطعتم الأرحام، وبها تحاسدتم وتباغضتم وأغررتم، ثم يقذف بها في جهنم فتنادي: أي رب! أين أتباعي وأشياعي؟ فيقول الله - عز وجل -:
ألحقوا بها أتباعها وأشياعها ".
وفي قصر عمرها لكل شخص بالنسبة إلى ما تقدمه من الأزل وما يتأخر عنه من الأبد: كمثل خطوة واحدة، بل أقل من ذلك، بالنسبة إلى سفر طويل، بل بالنسبة إلى كل مسافة الأرض أضعافا غير متناهية.
ومن رأى الدنيا بهذه العين لم يركن إليها، ولم يبال كيف انقضت أيامه في ضيق وضر أو في سعة ورفاهية، بل لا يبني لبنة على لبنة. توفي سيد الرسل (ص) وما وضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة. ورأى بعض أصحابه يبني بيتا من جص، فقال: " أرى الأمر أعجل من هذا ". وإلى هذا أشار عيسى (ص) حيث قال: " الدنيا قنطرة، فاعبروها ولا تعمروها ".
وفي نعومة ظاهرها وخشونة باطنها: مثل الحية التي يلين مسها