القدرة بالإضافة إلى الحال، وهي وسيلة إلى كمال العلم، كسلامة أطرافه وقوة يده للبطش، ورجله للمشي، وحواسه للادراك، فإن هذه القوى آلة للوصول به إلى حقيقة كمال العلم، وقد يحتاج في استيفاء هذه القوى إلى القدرة بالمال والجاه للتوصل به إلى المطعم والملبس، وذلك إلى قدر معلوم:
فإن لم يستعمله للوصول به إلى معرفة الله فلا خير فيه البتة، إلا من حيث اللذة الحالية التي تنقضي على القرب، ولا طريق للعبد إلى اكتساب كمال القدرة الباقية بعد موته، إذ قدرته على كل شئ من الأرضيات، كالمال والأبدان والنفوس، تنقطع بالموت ".
وأنت خبير بأن تحقق نوع قدرة للعباد مما لا ريب فيه، وإن كانت أسبابها وأصلها من الله سبحانه، إلا أن القدرة على الأمور الدنيوية الفانية كالمال والأشخاص وغير ذلك، ليست كمال حقيقيا، لزوالها بالموت. نعم، الحق ثبوت القدرة النفسية للعبد - أعني تأثير نفسه في الغير من الكائنات تأثيرا روحانيا كما هو ظاهر من تأثير بعض النفوس في الإنسان والحيوان والنبات والجماد بأنواع التأثيرات، ومثل هذه القدرة تبقى للنفوس بعد الموت ولذا ترى أن من يستغيث ببعض النفوس الكاملة من الأموات يرى منها عجائب التأثيرات والاستفاضات، فما ذكره بعض العلماء من عدم بقاء قدرة للنفوس بعد الموت محل النظر.
وقد ظهر بما ذكر: إن الكمال الحقيقي للانسان هو العلم الحقيقي وفضائل الأخلاق والحرية والقدرة فصل علاج حب الجاه إعلم أن علاج حب الجاه مركب من علم وعمل. وعلاجه العلمي: أن يعلم أن السبب الذي لأجله أحب الجاه - وهو كمال القدرة على أشخاص الناس وعلى قلوبهم إن صفا وسلم - فآخره الموت، فليس هو من الباقيات الصالحات بل لو سجد له كل من على وجه الأرض إلى خمسين سنة أو أكثر لا بد بالآخرة من موت الساجد والمسجود له، ويكون حاله كحال من مات قبله من ذوي