من رضا الله وثواب الآخرة في غاية القلة والخسة، وكيف يستعظم العاقل بذل خسيس فإن إذا أخذ في مقابله، خطيرا باقيا. وأما استحقاره الفقير، فلما تقدم من فضل الفقير على الغني، فكيف يرى نفسه خيرا منه؟ وكفى للفقير فضلا: إن الله سبحانه جعل الغني مسخرا له، بأن يكتسب المال بالجهد والتعب، ويسعى في حفظه، ويسلمه إلى الفقير بقدر حاجته، ويكف عنه الفاضل الذي يضره لو سلمه إليه. فالغني يخدم الفقير في طلب المال، مع كون ما يحمد منه للفقير، وكون ما يذم منه، من تحمل المشاق وتقلد المظالم وحراسة الفضلات إلى أن يموت فتأكله الأعداء، على الغنى.
وبالجملة: العاقل، بعد التأمل، يعلم أن ما يعطيه قليل في مقابلة ما يأخذه، وأن الفقير محسن إليه. قال أمير المؤمنين (ع): " ومن علم أن ما صنع إنما صنع إلى نفسه، لم يستبطئ الناس في شكرهم، ولم يستزدهم في مودتهم، فلا تلتمس من غيرك شكر ما أتيت إلى نفسك ووقيت به عرضك، واعلم أن الطالب إليك لحاجة لم يكرم وجهه عن وجهك، فأكرم وجهك عن رده " (1). وينبغي للمحترز عن المن والأذى أن يتواضع ويتخضع للفقير عند إعطائه، بأن يضع الصدقة لديه، ويمثل قائما بين يديه، أو يبسط كفه ليأخذ الفقير، وتكون يد الفقير هي العليا.
فصل ما ينبغي للمعطي ومما ينبغي للمعطي أن يستصغر العطية ليعظم عند الله، وإن استعظمها صغرت عند الله، قال الصادق (ع): " رأيت المعروف لا يصلح إلا بثلاث خصال: تصغيره، وتستيره، وتعجيله. فأنت إذا صغرته عظمته عند من تصنعه إليه، وإذا سترته تممته، وإذا عجلته هنأته، وإن كان غير ذلك محقته ونكدته " (2). واستعظام العطاء غير المن والأذى، إذ الصرف إلى عمارة المسجد ومثله يتأتى فيه الاستعظام، ولا يتأتى فيه المن والأذى، وأن يعطي